[ ص: 197 ] أفبعذابنا يستعجلون فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين هذا تفريع على التأجيل المذكور في قوله " حتى حين " فإن ذلك ما أنذرهم بعذاب يحل بهم توقع أنهم سيقولون على سبيل الاستهزاء : أرنا العذاب الذي تخوفنا به وعجله لنا .
وبعض المفسرين ذكر أنهم قالوه فلوحظ ذلك وفرع عليه استفهام تعجيبي من استعجالهم في تأخيره والنظرة به رأفة بهم واستبقاء لهم حينا .
والفاء في قوله فإذا نزل بساحتهم فاء الفصيحة ، أي إن كانوا يستعجلون بالعذاب فإذا نزل بهم فبئس وقت نزوله .
وإسناد النزول إلى العذاب وجعله في ساحتهم استعارة تمثيلية مكنية ، شبهت هيئة حصول العذاب لهم بعد ما أنذروا به فلم يعبئوا بهيئة نزول جيش عدو في ساحتهم بعد أن أنذرهم به النذير العريان فلم يأخذوا أهبتهم حتى أناخ بهم .
وذكر الصباح لأنه من علائق الهيئة المشبه بها ، فإن شأن الغارة أن تكون في الصباح ولذلك كان نذير المجيء بغارة عدو ينادي : يا صباحاه ! نداء ندبة وتفجع .
ولذلك جعل جواب ( إذا ) قوله فساء صباح المنذرين أي بئس الصباح صباحهم .
وفي وصفهم ب " المنذرين " ترشيح للتمثيل وتورية في اللفظ لأن المشبهين منذرون من الله بالعذاب . والذين يسوء صباحهم عند الغارة هم المهزومون فكأنه قيل : فإذا نزل بساحتهم كانوا مغلوبين .
وهذا التمثيل قابل لتفريق أجزائه في التشبيه بأن يشبه العذاب بالجيش ، وحلوله بهم بنزول الجيش بساحة قوم وما يلحقهم من ضر العذاب بضر الهزيمة ، ووقت نزول العذاب بهم بتصبيح العدو محلة قوم . قال في الكشاف : " وما فصحت هذه الآية [ ص: 198 ] ولا كانت لها الروعة التي تحس بها ويروقك موردها على نفسك وطبعك إلا لمجيئها على طريقة التمثيل .
واعلم أن في اختيار هذا التمثيل البديع معنى بديعا من الإيماء إلى أن العذاب الذي وعدوه هو ما أصابهم يوم بدر من قتل وأسر على طريقة التورية .