من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد .
هذا من مكملات التسلية ومن مناسبات ذكر الأجل المسمى . وفيه معنى التذييل لأن ( من ) في الموضعين مفيدة للعموم سواء اعتبرت شرطية أو [ ص: 319 ] موصولة . ووجود الفاء في الموضعين : إما لأنهما جوابان للشرط ، وإما لمعاملة الموصول معاملة الشرط وهو استعمال كثير .
والمعنى : أن الإمهال إعذار لهم ليتداركوا أمرهم .
وتقدم قريب من هذه الآية في سورة الزمر ، كما تقدم نظير وما ربك بظلام للعبيد لفظا في سورة غافر .
وحرف على مؤذن بمؤاخذة وتحمل أعباء كما أن اللام في قوله فلنفسه مؤذن بالعطاء .
والخطاب في ربك للرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وفيه ما تقدم من تعزيز تسليته عند قوله آنفا ولولا كلمة سبقت من ربك من العدول إلى لفظ الرب المضاف إلى ضمير المخاطب .
والمراد بنفي الظلم عن الله تعالى لعبيده : أنه لا يعاقب من ليس منهم بمجرم ، لأن الله لما وضع للناس شرائع وبين الحسنات والسيئات ، ووعد وأوعد فقد جعل ذلك قانونا ، فصار العدول عنه إلى عقاب من ليس بمجرم ظلما إذا الظلم هو الاعتداء على حق الغير في القوانين المتلقاة من الشرائع الإلهية أو القوانين الوضعية المستخرجة من العقول الحكيمة .
وأما صيغة ظلام المقتضية المبالغة في الظلم فهي معتبرة قبل دخول النفي على الجملة التي وقعت هي فيها كأنه قيل : ليعذب الله المسيء لكان ظلاما له وما هو بظلام ، وهذا معنى قول علماء المعاني : إن النفي إذا توجه إلى كلام مقيد قد يكون النفي نفيا للقيد وقد يكون القيد قيدا في النفي ومثلوه بهذه الآية . وهذا استعمال دقيق في الكلام البليغ في نفي الوصف المصوغ بصيغة المبالغة من إتمام عدل الله تعالى أن جعل كل درجات الظلم في رتبة الظلم الشديد .