[ ص: 5 ] إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه     . 
كانوا إذا أنذروا بالبعث وساعته استهزءوا فسألوا عن وقتها ، وكان ذلك مما يتكرر منهم ، قال تعالى : يسألونك عن الساعة أيان مرساها  فلما جرى ذكر دليل إحياء الموتى وذكر إلحاد المشركين في دلالته بسؤالهم عنها استهزاء انتقل الكلام إلى حكاية سؤالهم تمهيدا للجواب عن ظاهره . وتقديم المجرور على متعلقه لإفادة الحصر ، أي إلى الله يفوض علم الساعة لا إلي ، فهو قصر قلب . ورد عليهم بطريق الأسلوب الحكيم ، أي الأجدر أن تعلموا أن لا يعلم أحد متى الساعة وأن تؤمنوا بها وتستعدوا لها . ومثله قول النبيء صلى الله عليه وسلم وسأله رجل من المسلمين : متى الساعة ؟ فقال له : ماذا أعددت لها ، أي استعدادك لها أولى بالاعتناء من أن تسأل عن وقتها . 
والرد : الإرجاع وهو مستعمل لتفويض علم ذلك إلى الله والتبرؤ من أن يكون للمسئول علم به ، فكأنه جيء بالسؤال إلى النبيء صلى الله عليه وسلم ، فرده إلى الله . وفي حديث موسى  مع الخضر  في الصحيح : " فعاتب الله موسى أن لم يرد العلم إليه   " ، وقال تعالى : ولو ردوه إلى الرسول  الآية . 
وعطف جملة وما تخرج من ثمرات من أكمامها  وما بعدها ، توجيه لصرف العلم بوقت الساعة إلى الله بذكر نظائر لا يعلمها الناس ، وليس علم الساعة   [ ص: 6 ] بأقرب منها فإنها أمور مشاهدة ولا يعلم تفصيل حالها إلا الله ، أي فليس في عدم العلم بوقت الساعة حجة على تكذيب من أنذر بها ، لأنهم قالوا متى هذا الوعد إن كنتم صادقين  ، أي إن لم تبين لنا وقته فلست بصادق . فهذا وجه ذكر تلك النظائر ، وهي ثلاثة أشياء : 
أولها : علم ما تخرجه أكمام النخيل من الثمر بقدره ، وجودته ، وثباته أو سقوطه ، وضمير ( أكمامها ) راجع إلى الثمرات . والأكمام : جمع كم بكسر الكاف وتشديد الميم وهو وعاء الثمر وهو الجف الذي يخرج من النخلة محتويا على طلع الثمر . 
ثانيها : حمل الأنثى من الناس والحيوان ، ولا يعلم التي تلقح من التي لا تلقح إلا الله . 
ثالثها : وقت وضع الأجنة ؛ فإن الإناث تكون حوامل مثقلة ولا يعلم وقت وضعها باليوم والساعة إلا الله . 
وعدل عن إعادة حرف ( ما ) مرة أخرى للتفادي من ذكر حرف واحد ثلاث مرات ؛ لأن تساوي هذه المنفيات الثلاثة في علم الله تعالى وفي كون أزمان حصولها سواء بالنسبة للحال وللاستقبال يسد علينا باب ادعاء الجمهور الفرق بين ( ما ) و ( لا ) في تخليص المضارع لزمان الحال مع حرف ( ما ) وتخليصه للاستقبال مع حرف ( لا ) . ويؤيد رد ابن مالك  عليهم ؛ فإن الحق في جانب قول ابن مالك    : 
وحرف ( من ) بعد مدخولي ( ما ) في الموضعين لإفادة عموم النفي ويسمى حرفا زائدا . 
والباء في ( بعلمه ) للملابسة . وتقدم نظيره في سورة فاطر . 
وقرأ نافع  وابن عامر  وحفص  عن عاصم    ( ثمرات ) بالجمع . وقرأه الباقون ( ثمرة ) واحدة الثمرات . 
				
						
						
