تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم
استئناف ابتدائي وهو جملة مركبة من مبتدأ وخبر .
الكتاب هو المعهود وهو ما نزل من القرآن إلى تلك الساعة .
والمقصود : إثبات أن القرآن موحى به من الله إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - فكان مقتضى الظاهر أن يجعل القرآن مسندا إليه ويخبر عنه فيقال القرآن منزل من الله العزيز الحكيم لأن كونه منزلا من الله هو محل الجدال فيقتضي أن يكون هو الخبر ولو أذعنوا لكونه تنزيلا لما كان منهم نزاع في أن تنزيله من الله ولكن خولف مقتضى الظاهر لغرضين : أحدهما : التشويق إلى تلقي الخبر لأنهم إذا سمعوا الابتداء بتنزيل الكتاب استشرفوا إلى ما سيخبر عنه; فأما الكافرون فيترقبون أنه سيلقى إليهم وصف جديد لأحوال تنزيل الكتاب فيتهيئون لخوض جديد من جدالهم وعنادهم ، والمؤمنون يترقبون لما يزيدهم يقينا بهذا التنزيل .
والغرض الثاني : أن يدعى أن كون القرآن تنزيلا أمر لا يختلف فيه فالذين خالفوا فيه كأنهم خالفوا في كونه منزلا من عند الله وهل يكون التنزيل إلا من عند الله فيؤول إلى تأكيد الإخبار بأنه منزل من عند الله إذ لا فرق بين مدلول كونه تنزيلا وكونه من عند الله إلا باختلاف مفهوم المعنيين دون مصداقيهما على طريقة قوله : لا ريب فيه .
وإيثار وصفي العزيز الحكيم بالذكر دون غيرهما من الأسماء الحسنى لإشعار وصف العزيز بأن ما نزل منه مناسب لعزته فهو كتاب عزيز كما وصفه تعالى بقوله وإنه لكتاب عزيز ، أي هو غالب لمعانديه ، وذلك لأنه أعجزهم عن معارضته ، ولإشعار وصف الحكيم بأن ما نزل [ ص: 326 ] من عنده مناسب لحكمته ، فهو مشتمل على دلائل اليقين والحقيقة ، ففي ذلك إيماء إلى أن إعجازه ، من جانب بلاغته إذ غلبت بلاغة بلغائهم ، ومن جانب معانيه إذ أعجزت حكمته حكمة الحكماء ، وقد تقدم مثيل هذا في طالعة سورة الزمر وقريب منه في طالعة سورة غافر .