nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=29017_18003حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين
( حتى ) ابتدائية ومعناها معنى فاء التفريع على الكلام المتقدم ، وإذ كانت ( حتى ) لا يفارقها معنى الغاية كانت مؤذنة هنا بأن الإنسان تدرج في أطواره من وقت فصاله إلى أن بلغ أشده ، أي هو موصى بوالديه حسنا في الأطوار الموالية لفصاله ، أي يوصيه وليه في أطوار طفولته ثم عليه مراعاة وصية الله في وقت تكليفه .
ووقوع ( إذا ) بعد ( حتى ) ليرتب عليها توقيت ما بعد الغاية من الخبر ، أي كانت الغاية وقت بلوغه الأشد ، وقد تقدمت نظائر ذلك قريبا وبعيدا منها قوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152حتى إذا فشلتم في سورة آل عمران .
ولما كان ( إذا ) ظرفا لزمن مستقبل كان الفعل الماضي بعدها منقلبا إلى الاستقبال ، وإنما صيغ بصيغة الماضي تشبيها للمؤكد تحصيله بالواقع ، فهو استعارة .
و ( إذا ) تجريد للاستعارة ، والمعنى : حتى يبلغ أشده ، أي يستمر على الإحسان إليهما إلى أن يبلغ أشده فإذا بلغه
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15قال رب أوزعني ، أي طلب العون من الله على زيادة الإحسان إليهما بأن يلهمه الشكر على نعمه عليه وعلى والديه .
ومن جملة النعم عليه أن ألهمه الإحسان لوالديه .
[ ص: 32 ] ومن جملة نعمه على والديه أن سخر لهما هذا الولد ليحسن إليهما ، فهاتان النعمتان أول ما يتبادر عن عموم نعمة الله عليه وعلى والديه لأن المقام للحديث عنهما .
وهذا إشارة إلى أن الفعل المؤقت ببلوغ الأشد وهو فعل
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15قال رب أوزعني من جملة ما وصي به الإنسان ، أي أن يحسن إلى والديه في وقت بلوغه الأشد . فالمعنى : ووصينا الإنسان حسنا بوالديه حتى في زمن بلوغه الأشد ، أي أن لا يفتر عن الإحسان إليهما بكل وجه حتى بالدعاء لهما .
وإنما خص زمان بلوغه الأشد لأنه زمن يكثر فيه التكلف بالسعي للرزق إذ يكون له فيه زوجة وأبناء وتكثر تكاليف المرأة فيكون لها فيه زوج وبيت وأبناء فيكونان مظنة أن تشغلهما التكاليف عن تعهد والديهما والإحسان إليهما فنبها بأن لا يفترا عن الإحسان إلى الوالدين .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15قال رب أوزعني أنه دعا ربه بذلك ، ومعناه : أنه مأمور بالدعاء إليهما بأنه لا يشغله الدعاء لنفسه عن الدعاء لهما وبأنه يحسن إليهما بظهر الغيب منهما حين مناجاته ربه ، فلا جرم أن إحسانه إليهما في المواجهة حاصل بفحوى الخطاب كما في طريقة الفحوى في النهي عن أذاهما بقوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23فلا تقل لهما أف .
وحاصل المعنى : أن
nindex.php?page=treesubj&link=18004الله أمر بالإحسان إلى الوالدين في المشاهدة والغيبة وبجميع وسائل الإحسان الذي غايته حصول النفع لهما ، وهو معنى قوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=24وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا وأن الله لما أمر بالدعاء للأبوين وعد بإجابته على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - لقوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002384إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، وعلم بثه في صدور الرجال ، وولد صالح يدعو له بخير .
وما شكر الولد ربه على النعمة التي أنعمها الله على والديه إلا من باب نيابته عنهما في هذا الشكر ، وهو من جملة العمل الذي يؤديه الولد عن والديه .
وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=69الفضل بن عباس nindex.php?page=hadith&LINKID=2002385أن المرأة الخثعمية قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حجة الوداع : إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت [ ص: 33 ] على الراحلة أفيجزئ أن أحج عنه ، قال : نعم حجي عنه ، وهو حج غير واجب على أبيها لعجزه .
والأشد : حالة اشتداد القوى العقلية والجسدية وهو جمع لم يسمع له بمفرد . وقيل مفرده : شدة بكسر الشين وهاء التأنيث ، مثل نعمة جمعها أنعم ، وليس الأشد اسما لعدد من سني العمر وإنما سنو العمر مظنة للأشد . ووقته ما بعد الثلاثين سنة وتمامه عند الأربعين سنة ولذلك عطف على
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15بلغ أشده قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15وبلغ أربعين سنة أي بلغ الأشد ووصل إلى أكمله فهو كقوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=14ولما بلغ أشده واستوى ، وتقدم في سورة يوسف ، وليس قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15وبلغ أربعين سنة تأكيدا لقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15بلغ أشده لأن إعادة فعل بلغ تبعد احتمال التأكيد وحرف العطف أيضا يبعد ذلك الاحتمال .
و
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15أوزعني : ألهمني . وأصل فعل أوزع الدلالة على إزالة الوزع ، أي الانكفاف عن عمل ما ، فالهمزة فيه للإزالة ، وتقدم في سورة النمل .
و " نعمتك " اسم مصدر مضاف يعم ، أي ألهمني شكر النعم التي أنعمت بها علي وعلى والدي من جميع النعم الدينية كالإيمان والتوفيق ومن النعم الدنيوية كالصحة والجدة .
وما ذكر من الدعاء لذريته بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15وأصلح لي في ذريتي استطراد في أثناء الوصاية بالدعاء للوالدين بأن لا يغفل الإنسان عن التفكر في مستقبله بأن يصرف عنايته إلى ذريته كما صرفها إلى أبويه ليكون له من إحسان ذريته إليه مثل ما كان منه لأبويه ، وإصلاح الذرية يشمل إلهامهم الدعاء إلى الوالد .
وفي إدماج تلقين الدعاء بإصلاح ذريته مع أن سياق الكلام في الإحسان إلى الوالدين إيماء إلى أن المرء يلقى من إحسان أبنائه إليه مثل ما لقي أبواه من إحسانه إليهما ، ولأن دعوة الأب لابنه مرجوة الإجابة . وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبيء - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002386ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن : دعوة الوالد على ولده ، ودعوة المسافر ، ودعوة المظلوم ، وفي رواية لولده وهو حديث حسن متعددة طرقه .
[ ص: 34 ] واللام في
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15وأصلح لي لام العلة ، أي أصلح في ذريتي لأجلي ومنفعتي كقوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=1ألم نشرح لك صدرك . ونكتة زيادة هذا في الدعاء أنه بعد أن أشار إلى نعم الله عليه وعلى والديه تعرض إلى نفحات الله فسأله إصلاح ذريته وعرض بأن إصلاحهم لفائدته ، وهذا تمهيد لبساط الإجابة كأنه يقول : كما ابتدأتني بنعمتك وابتدأت والدي بنعمتك ومتعتهما بتوفيقي إلى برهما ، كمل إنعامك بإصلاح ذريتي فإن إصلاحهم لي . وهذه ترقيات بديعة في درجات القرب .
ومعنى ظرفية في ذريتي أن ذريته نزلت منزلة الظرف يستقر فيه ما هو به الإصلاح ويحتوي عليه ، وهو يفيد تمكن الإصلاح من الذرية وتغلغله فيهم . ونظيره في الظرفية قوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=28وجعلها كلمة باقية في عقبه .
وجملة :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15إني تبت إليك كالتعليل للمطلوب بالدعاء تعليل توسل بصلة الإيمان والإقرار بالنعمة والعبودية .
وحرف ( إن ) للاهتمام بالخبر كما هو ظاهر ، وبذلك يستعمل حرف ( إن ) في مقام التعليل ويغني غناء الفاء .
والمراد بالتوبة : الإيمان لأنه توبة من الشرك ، وبكونه من المسلمين أنه تبع شرائع الإسلام وهي الأعمال . وقال من المسلمين دون أن يقول : وأسلمت كما قال تبت إليك لما يؤذن به اسم الفاعل من التلبس بمعنى الفعل في الحال وهو التجدد لأن الأعمال متجددة متكررة ، وأما الإيمان فإنما يحصل دفعة فيستقر لأنه اعتقاد ، وفيه الرعي على الفاصلة . هذا وجه تفسير الآية بما تعطيه تراكيبها ونظمها دون تكلف ولا تحمل ، وهي عامة لكل مسلم أهل لوصاية الله - تعالى - بوالديه والدعاء لهما إن كانا مؤمنين .
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=29017_18003حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيَ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ
( حَتَّى ) ابْتِدَائِيَّةٌ وَمَعْنَاهَا مَعْنَى فَاءُ التَّفْرِيعِ عَلَى الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ ، وَإِذْ كَانَتْ ( حَتَّى ) لَا يُفَارِقُهَا مَعْنَى الْغَايَةِ كَانَتْ مُؤْذِنَةً هُنَا بِأَنَّ الْإِنْسَانَ تَدَرَّجَ فِي أَطْوَارِهِ مِنْ وَقْتِ فِصَالِهِ إِلَى أَنْ بَلَغَ أَشُدَّهُ ، أَيْ هُوَ مُوصًى بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا فِي الْأَطْوَارِ الْمُوَالِيَةِ لِفِصَالِهِ ، أَيْ يُوصِيهِ وَلِيُّهُ فِي أَطْوَارِ طُفُولَتِهِ ثُمَّ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ وَصِيَّةِ اللَّهِ فِي وَقْتِ تَكْلِيفِهِ .
وَوُقُوعُ ( إِذَا ) بَعْدَ ( حَتَّى ) لِيُرَتَّبَ عَلَيْهَا تَوْقِيتُ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ مِنَ الْخَبَرِ ، أَيْ كَانَتِ الْغَايَةُ وَقْتَ بُلُوغِهِ الْأَشُدَّ ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ نَظَائِرُ ذَلِكَ قَرِيبًا وَبَعِيدًا مِنْهَا قَوْلُهُ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ .
وَلَمَّا كَانَ ( إِذَا ) ظَرْفًا لِزَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ كَانَ الْفِعْلُ الْمَاضِي بَعْدَهَا مُنْقَلِبًا إِلَى الِاسْتِقْبَالِ ، وَإِنَّمَا صِيغَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي تَشْبِيهًا لِلْمُؤَكَّدِ تَحْصِيلُهُ بِالْوَاقِعِ ، فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ .
وَ ( إِذَا ) تَجْرِيدٌ لِلِاسْتِعَارَةِ ، وَالْمَعْنَى : حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ، أَيْ يَسْتَمِرَّ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا إِلَى أَنْ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ فَإِذَا بَلَغَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي ، أَيْ طَلَبَ الْعَوْنَ مِنَ اللَّهِ عَلَى زِيَادَةِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا بِأَنْ يُلْهِمَهُ الشُّكْرَ عَلَى نِعَمِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْهِ .
وَمِنْ جُمْلَةِ النِّعَمِ عَلَيْهِ أَنْ أَلْهَمَهُ الْإِحْسَانَ لِوَالِدَيْهِ .
[ ص: 32 ] وَمِنْ جُمْلَةِ نِعَمِهِ عَلَى وَالِدَيْهِ أَنْ سَخَّرَ لَهُمَا هَذَا الْوَلَدَ لِيُحْسِنَ إِلَيْهِمَا ، فَهَاتَانِ النِّعْمَتَانِ أَوَّلُ مَا يَتَبَادَرُ عَنْ عُمُومِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْهِ لِأَنَّ الْمَقَامَ لِلْحَدِيثِ عَنْهُمَا .
وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْفِعْلَ الْمُؤَقَّتَ بِبُلُوغِ الْأَشُدِّ وَهُوَ فِعْلُ
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي مِنْ جُمْلَةِ مَا وُصِّيَ بِهِ الْإِنْسَانُ ، أَيْ أَنْ يُحْسِنَ إِلَى وَالِدَيْهِ فِي وَقْتِ بُلُوغِهِ الْأَشُدَّ . فَالْمَعْنَى : وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ حُسْنًا بِوَالِدَيْهِ حَتَّى فِي زَمَنِ بُلُوغِهِ الْأَشُدَّ ، أَيْ أَنْ لَا يَفْتُرَ عَنِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا بِكُلِّ وَجْهٍ حَتَّى بِالدُّعَاءِ لَهُمَا .
وَإِنَّمَا خَصَّ زَمَانَ بُلُوغِهِ الْأَشُدَّ لِأَنَّهُ زَمَنٌ يَكْثُرُ فِيهِ التَّكَلُّفُ بِالسَّعْيِ لِلرِّزْقِ إِذْ يَكُونُ لَهُ فِيهِ زَوْجَةٌ وَأَبْنَاءٌ وَتَكْثُرُ تَكَالِيفُ الْمَرْأَةِ فَيَكُونُ لَهَا فِيهِ زَوْجٌ وَبَيَّتٌ وَأَبْنَاءٌ فَيَكُونَانِ مَظِنَّةَ أَنْ تَشْغَلَهَمَا التَّكَالِيفُ عَنْ تَعَهُّدِ وَالِدَيْهِمَا وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا فَنُبِّهَا بِأَنْ لَا يَفْتُرَا عَنِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنَّهُ دَعَا رَبَّهُ بِذَلِكَ ، وَمَعْنَاهُ : أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالدُّعَاءِ إِلَيْهِمَا بِأَنَّهُ لَا يَشْغَلُهُ الدُّعَاءُ لِنَفْسِهِ عَنِ الدُّعَاءِ لَهُمَا وَبِأَنَّهُ يُحْسِنُ إِلَيْهِمَا بِظَهْرِ الْغَيْبِ مِنْهُمَا حِينَ مُنَاجَاتِهِ رَبَّهُ ، فَلَا جَرَمَ أَنَّ إِحْسَانَهُ إِلَيْهِمَا فِي الْمُوَاجَهَةِ حَاصِلٌ بِفَحْوَى الْخِطَابِ كَمَا فِي طَرِيقَةِ الْفَحْوَى فِي النَّهْيِ عَنْ أَذَاهُمَا بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ .
وَحَاصِلُ الْمَعْنَى : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18004اللَّهَ أَمَرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ فِي الْمُشَاهَدَةِ وَالْغَيْبَةِ وَبِجَمِيعِ وَسَائِلِ الْإِحْسَانِ الَّذِي غَايَتُهُ حُصُولُ النَّفْعِ لَهُمَا ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=24وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا وَأَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَمَرَ بِالدُّعَاءِ لِلْأَبَوَيْنِ وَعَدَ بِإِجَابَتِهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002384إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ : صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ ، وَعِلْمٌ بَثَّهُ فِي صُدُورِ الرِّجَالِ ، وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ بِخَيْرٍ .
وَمَا شُكْرُ الْوَلَدِ رَبَّهُ عَلَى النِّعْمَةِ الَّتِي أَنْعَمَهَا اللَّهُ عَلَى وَالِدَيْهِ إِلَّا مِنْ بَابِ نِيَابَتِهِ عَنْهُمَا فِي هَذَا الشُّكْرِ ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَمَلِ الَّذِي يُؤَدِّيهِ الْوَلَدُ عَنْ وَالِدَيْهِ .
وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=69الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=2002385أَنَّ الْمَرْأَةَ الْخَثْعَمِيَّةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ : إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ [ ص: 33 ] عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَيُجْزِئُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ ، قَالَ : نَعَمْ حُجِّي عَنْهُ ، وَهُوَ حَجٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى أَبِيهَا لِعَجْزِهِ .
وَالْأَشُدُّ : حَالَةُ اشْتِدَادِ الْقُوَى الْعَقْلِيَّةِ وَالْجَسَدِيَّةِ وَهُوَ جَمْعٌ لَمْ يُسْمَعْ لَهُ بِمُفْرَدٍ . وَقِيلَ مُفْرَدُهُ : شِدَّةٌ بِكَسْرِ الشِّينِ وَهَاءِ التَّأْنِيثِ ، مِثْلُ نِعْمَةٍ جَمْعُهَا أَنْعُمٌ ، وَلَيْسَ الْأَشُدُّ اسْمًا لِعَدَدٍ مِنْ سِنِي الْعُمْرِ وَإِنَّمَا سِنُو الْعُمْرِ مَظِنَّةً لِلْأَشُدِّ . وَوَقْتُهُ مَا بَعْدَ الثَلَاثِينَ سَنَةً وَتَمَامُهُ عِنْدَ الْأَرْبَعِينَ سَنَةً وَلِذَلِكَ عَطَفَ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15بَلَغَ أَشُدَّهُ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَيْ بَلَغَ الْأَشُدَّ وَوَصَلَ إِلَى أَكْمَلِهِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=14وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ يُوسُفَ ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً تَأْكِيدًا لِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15بَلَغَ أَشُدَّهُ لِأَنَّ إِعَادَةَ فِعْلِ بَلَغَ تُبْعِدُ احْتِمَالَ التَّأْكِيدِ وَحَرْفُ الْعَطْفِ أَيْضًا يُبْعِدُ ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ .
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15أَوْزِعْنِي : أَلْهِمْنِي . وَأَصْلُ فِعْلِ أَوزَعَ الدَّلَالَةُ عَلَى إِزَالَةِ الْوَزَعِ ، أَيِ الِانْكِفَافِ عَنْ عَمَلٍ مَا ، فَالْهَمْزَةُ فِيهِ لِلْإِزَالَةِ ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ النَّمْلِ .
وَ " نِعْمَتَكَ " اسْمُ مَصْدَرٍ مُضَافٍ يَعُمُّ ، أَيْ أَلْهِمْنِي شُكْرَ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدِيَّ مِنْ جَمِيعِ النِّعَمِ الدِّينِيَّةِ كَالْإِيمَانِ وَالتَّوْفِيقِ وَمِنَ النِّعَمِ الدُّنْيَوِيَّةِ كَالصِّحَّةِ وَالْجِدَّةِ .
وَمَا ذُكِرَ مِنَ الدُّعَاءِ لِذُرِّيَّتِهِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي اسْتِطْرَادٌ فِي أَثْنَاءِ الْوِصَايَةِ بِالدُّعَاءِ لِلْوَالِدَيْنِ بِأَنْ لَا يَغْفُلَ الْإِنْسَانُ عَنِ التَّفَكُّرِ فِي مُسْتَقْبَلِهِ بِأَنْ يَصْرِفَ عِنَايَتَهُ إِلَى ذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَرَفَهَا إِلَى أَبَوَيْهِ لِيَكُونَ لَهُ مِنْ إِحْسَانِ ذُرِّيَّتِهِ إِلَيْهِ مِثْلُ مَا كَانَ مِنْهُ لِأَبَوَيْهِ ، وَإِصْلَاحُ الذُّرِّيَّةِ يَشْمَلُ إِلْهَامَهُمُ الدُّعَاءَ إِلَى الْوَالِدِ .
وَفِي إِدْمَاجِ تَلْقِينِ الدُّعَاءِ بِإِصْلَاحِ ذُرِّيَّتِهِ مَعَ أَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ فِي الْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْمَرْءَ يَلْقَى مِنْ إِحْسَانِ أَبْنَائِهِ إِلَيْهِ مِثْلَ مَا لَقِيَ أَبَوَاهُ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمَا ، وَلِأَنَّ دَعْوَةَ الْأَبِ لِابْنِهِ مَرْجُوَّةُ الْإِجَابَةِ . وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002386ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ لَا شَكَّ فِيهِنَّ : دَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ ، وَفِي رِوَايَةٍ لِوَلَدِهِ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ مُتَعَدِّدَةٌ طُرُقُهُ .
[ ص: 34 ] وَاللَّامُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15وَأَصْلِحْ لِي لَامُ الْعِلَّةِ ، أَيْ أَصْلَحْ فِي ذُرِّيَّتِي لِأَجْلِي وَمَنْفَعَتِي كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=1أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ . وَنُكْتَةُ زِيَادَةِ هَذَا فِي الدُّعَاءِ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ أَشَارَ إِلَى نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْهِ تَعَرَّضَ إِلَى نَفَحَاتِ اللَّهِ فَسَأَلَهُ إِصْلَاحَ ذُرِّيَّتِهِ وَعَرَّضَ بِأَنَّ إِصْلَاحَهُمْ لِفَائِدَتِهِ ، وَهَذَا تَمْهِيدٌ لِبِسَاطِ الْإِجَابَةِ كَأَنَّهُ يَقُولُ : كَمَا ابْتَدَأْتَنِي بِنِعْمَتِكَ وَابْتَدَأْتَ وَالِدِيَّ بِنِعْمَتِكَ وَمَتَّعْتَهُمَا بِتَوْفِيقِي إِلَى بِرِّهِمَا ، كَمِّلْ إِنْعَامَكَ بِإِصْلَاحِ ذُرِّيَّتِي فَإِنَّ إِصْلَاحَهُمْ لِي . وَهَذِهِ تَرْقِيَاتٌ بَدِيعَةٌ فِي دَرَجَاتِ الْقُرْبِ .
وَمَعْنَى ظَرْفِيَّةِ فِي ذُرِّيَّتِي أَنَّ ذُرِّيَّتَهُ نَزَلَتْ مَنْزِلَةَ الظَّرْفِ يَسْتَقِرُّ فِيهِ مَا هُوَ بِهِ الْإِصْلَاحُ وَيَحْتَوِي عَلَيْهِ ، وَهُوَ يُفِيدُ تَمَكُّنَ الْإِصْلَاحِ مِنَ الذُّرِّيَّةِ وَتَغَلْغُلَهُ فِيهِمْ . وَنَظِيرُهُ فِي الظَّرْفِيَّةِ قَوْلُهُ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=28وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ .
وَجُمْلَةُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=15إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ كَالتَّعْلِيلِ لِلْمَطْلُوبِ بِالدُّعَاءِ تَعْلِيلَ تَوَسُّلٍ بِصِلَةِ الْإِيمَانِ وَالْإِقْرَارِ بِالنِّعْمَةِ وَالْعُبُودِيَّةِ .
وَحَرْفُ ( إِنَّ ) لِلِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ، وَبِذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ حَرْفُ ( إِنَّ ) فِي مَقَامِ التَّعْلِيلِ وَيُغْنِي غِنَاءَ الْفَاءِ .
وَالْمُرَادُ بِالتَّوْبَةِ : الْإِيمَانُ لِأَنَّهُ تَوْبَةٌ مِنَ الشِّرْكِ ، وَبِكَوْنِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ تَبِعَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ وَهِيَ الْأَعْمَالُ . وَقَالَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ دُونَ أَنْ يَقُولَ : وَأَسْلَمْتُ كَمَا قَالَ تُبْتُ إِلَيْكَ لِمَا يُؤْذِنُ بِهِ اسْمُ الْفَاعِلِ مِنَ التَّلَبُّسِ بِمَعْنَى الْفِعْلِ فِي الْحَالِ وَهُوَ التَّجَدُّدُ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ مُتَجَدِّدَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ ، وَأَمَّا الْإِيمَانُ فَإِنَّمَا يَحْصُلُ دُفْعَةً فَيَسْتَقِرُّ لِأَنَّهُ اعْتِقَادٌ ، وَفِيهِ الرَّعْيُ عَلَى الْفَاصِلَةِ . هَذَا وَجْهُ تَفْسِيرِ الْآيَةِ بِمَا تُعْطِيهِ تَرَاكِيبُهَا وَنَظْمُهَا دُونَ تَكَلُّفٍ وَلَا تَحَمُّلٍ ، وَهِيَ عَامَّةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَهْلٍ لِوِصَايَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِوَالِدَيْهِ وَالدُّعَاءِ لَهُمَا إِنْ كَانَا مُؤْمِنَيْنِ .