الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين اعتراض في أثناء تلقين الاحتجاج ، فلما أمر الله - تعالى - رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن يحاجهم بالدليل وجه الخطاب إليه تعجيبا من حالهم وضلالهم لأن قوله وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء إلخ . لا يناسب إلا أن يكون من جانب الله .

و " من " استفهامية ، والاستفهام إنكار وتعجيب .

والمعنى : لا أحدا أشد ضلالا وأعجب حالا ممن يدعون من دون الله من لا يستجيب له دعاءه فهو أقصى حد من الضلالة .

[ ص: 12 ] ووجه ذلك أنهم ضلوا عن دلائل الوحدانية وادعوا لله شركاء بلا دليل ، واختاروا الشركاء من حجارة ، وهي أبعد الموجودات عن قبول صفات الخلق والتكوين والتصرف ، ثم يدعونها في نوائبهم ، وهم يشاهدون أنها لا تسمع ولا تبصر ولا تجيب ، ثم سمعوا آيات القرآن توضح لهم الذكرى بنقائص آلهتهم ، فلم يعتبروا بها وزعموا أنها سحر ظاهر ، فكان ضلالهم أقصى حد في الضلال .

و ( من لا يستجيب ) الأصنام عبر عن الأصنام باسم الموصول المختص بالعقلاء معاملة للجماد معاملة العقلاء ؛ إذ أسند إليها ما يسند إلى أولي العلم من الغفلة ، ولأنه شاع في كلام العرب إجراؤها مجرى العقلاء فكثرت في القرآن مجاراة استعمالهم في ذلك ، ومثل هذا جعل ضمائر جمع العقلاء في قوله " وهم " وقوله " غافلون " وهي عائدة إلى من لا يستجيب .

وجعل يوم القيامة غاية لانتفاء الاستجابة - كناية عن استغراق مدة بقاء الدنيا . وعبر عن نهاية الحياة الدنيا بـ " يوم القيامة " لأن المواجه بالخبر هو الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون كما علمت وهم يثبتون يوم القيامة .

وضميرا " أكانوا " في الموضعين يجوز أن يعودا إلى من يدعو من دون الله فإن المشركين يعادون أصنامهم يوم القيامة إذ يجدونها من أسباب شقائهم . ويجوز أن يعودا إلى من لا يستجيب له فإن الأصنام يجوز أن تعطى حياة يومئذ فتنطق بالتبري من عبادها ومن عبادتهم إياها ، قال - تعالى - ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا فقد كذبوكم بما تقولون .

ويجوز أن يكون قوله كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين جاريا على التشبيه البليغ لمشابهتها للأعداء والمنكرين للعبادة في دلالتها على ما يفضي إلى شقائهم وكذبهم كقوله - تعالى - وما زادوهم غير تتبيب .

وعطف جملة وإذا حشر الناس إلخ على ما قبلها لمناسبة ذكر يوم القيامة .

[ ص: 13 ] ومن بديع تفنن القرآن توزيع معاد الضمائر في هذه الآية مع تماثلها في اللفظ وهذا يتدرج في محسن الجمع مع التفريق وأدق .

التالي السابق


الخدمات العلمية