أتبع ضرب المثل بحال عاد مع رسولهم بأن ذلك المثل ليس وحيدا في بابه ؛ فقد أهلك الله أقواما آخرين من مجاوريهم تماثل أحوالهم أحوال المشركين ، وذكرهم بأن قراهم قريبة منهم يعرفها من يعرفونها ويسمع عنها الذين لم يروها ، وهي قرى ثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة وسبأ وقوم تبع ، والجملة معطوفة على جملة واذكر أخا عاد إلخ ، وكني عن إهلاك الأقوام بإهلاك قراهم مبالغة في استئصالهم لأنه إذا أهلكت القرية لم يبق أحد من أهلها كما كنى عنترة بشك الثياب عن شك الجسد في قوله :
فشككت بالرمح الأصم ثيابه
ومنه قوله - تعالى - وثيابك فطهر .
وتصريف الآيات تنويعها باعتبار ما تدل عليه من الغرض المقصود منها وهو الإقلاع عن الشرك وتكذيب الرسل ، وأصل معنى التصريف التغيير والتبديل لأنه [ ص: 55 ] مشتق من الصرف وهو الإبعاد . وكني به هنا عن التبيين والتوضيح لأن تعدد أنواع الأدلة يزيد المقصود وضوحا .
ومعنى تنويع الآيات أنها تارة تكون بالحجة والمجادلة النظرية ، وتارة بالتهديد على الفعل ، وأخرى بالوعيد ، ومرة بالتذكير بالنعم وشكرها . وجملة لعلهم يرجعون مستأنفة لإنشاء الترجي وموقعها موقع المفعول لأجله ، أي رجاء رجوعهم .
والرجوع هنا مجاز عن الإقلاع عما هم فيه من الشرك والعناد ، والرجاء من الله - تعالى - يستعمل مجازا في الطلب ، أي توسعة لهم وإمهالا ليتدبروا ويتعظوا . وهذا تعريض بمشركي أهل مكة فهم سواء في تكوين ضروب تصريف الآيات ، زيادة على ما صرف لهم من آيات إعجاز القرآن . والكلام على ( لعل ) في كلام الله تقدم في أوائل البقرة .