[ ص: 67 ] ويجوز أن تكون الفاء فصيحة . والتقدير : فإذا علمت ما كان من الأمم السابقة وعلمت كيف انتقمنا منهم وانتصرنا برسلنا فاصبر كما صبروا .
وأولو العزم : أصحاب العزم ، أي المتصفون به .
والعزم : نية محققة على عمل أو قول دون تردد . قال تعالى فإذا عزمت فتوكل على الله وقال ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله . وقال سعد بن ناشب من شعراء الحماسة يعني نفسه :
إذا هم ألقى بين عينيه عزمـه ونكب عن ذكر العواقب جانبا
: العزم على ما فيه تزكية النفس وصلاح الأمة ، وقوامه الصبر على المكروه وباعثه التقوى ، وقوته شدة المراقبة بأن لا يتهاون المؤمن عن محاسبته نفسه قال - تعالى - والعزم المحمود في الدين وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور وقال ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما . وهذا قبل هبوط آدم إلى عالم التكليف ، وعلى هذا تكون ( من ) في قوله من الرسل تبعيضية . وعن أنه قال : كل الرسل أولو عزم ، وعليه تكون ( من ) بيانية . ابن عباس
وهذه الآية اقتضت أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - من أولي العزم لأن تشبيه الصبر الذي أمر به بصبر أولي العزم من الرسل يقتضي أنه مثلهم لأنه ممتثل لأمر ربه ، فصبره مثيل لصبرهم ، ومن صبر صبرهم كان منهم لا محالة .
وأعقب أمره بالصبر بنهيه عن الاستعجال للمشركين ، أي الاستعجال لهم بالعذاب ، أي لا تطلب منا تعجيله لهم وذلك لأن الاستعجال ينافي العزم ولأن في تأخير العذاب تطويلا لمدة صبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بكسب عزمه قوة .
ومفعول تستعجل محذوف دل عليه المقام ، تقديره : العذاب أو الهلاك .
واللام في لهم لام تعدية فعل الاستعجال إلى المفعول لأجله ، أي لا تستعجل لأجلهم ، والكلام على حذف مضاف إذ التقدير : لا تستعجل لهلاكهم .
وجملة كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار تعليل للنهي [ ص: 68 ] عن الاستعجال لهم بالعذاب بأن العذاب واقع بهم فلا يؤثر في وقوعه تطويل أجله ولا تعجيله ، قال مرة بن عداء الفقعسي ، ولعله أخذ قوله من هذه الآية :
كأنك لم تسبق من الدهـر لـيلة
إذا أنت أدركت الذي كنت تطلب
وهم عند حلوله منذ طول المدة يشبه حالهم حال عدم المهلة إلا ساعة قليلة .
و من نهار وصف الساعة ، وتخصيصها بهذا الوصف لأن ساعة النهار تبدو للناس قصيرة لما للناس في النهار من الشواغل بخلاف ساعة الليل تطول إذ لا يجد الساهر شيئا يشغله . فالتنكير للتقليل كما في حديث الجمعة قوله - صلى الله عليه وسلم - وفيه ساعة يستجاب فيها الدعاء ، وأشار بيده يقللها ، والساعة جزء من الزمن .