هذا تبيين للسبب الأصيل في إضلال أعمال الكافرين وإصلاح بال المؤمنين .
والإتيان باسم الإشارة لتمييز المشار إليه أكمل تمييز تنويها به . وقد ذكرت هذه الإشارة أربع مرات في هذه الآيات المتتابعة للغرض الذي ذكرناه .
والإشارة إلى ما تقدم من الخبرين المتقدمين ، وهما أضل أعمالهم ، كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم ، مع اعتبار علتي الخبرين المستفادتين من اسمي الموصول والصلتين وما عطف على كلتيهما .
واسم الإشارة مبتدأ ، وقوله بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل إلخ خبره ، والباء للسببية ومجرورها في موضع الخبر عن اسم الإشارة ، أي ذلك كائن بسبب اتباع الكافرين الباطل واتباع المؤمنين الحق ، ولما كان ذلك جامعا للخبرين المتقدمين كان الخبر عنه متعلقا بالخبرين وسببا لهما .
وفي هذا محسن الجمع بعد التفريق ويسمونه - كعكسه - التفسير لأن في الجمع تفسيرا للمعنى الذي تشترك فيه الأشياء المتفرقة تقدم أو تأخر . وشاهده قول حسان من أسلوب هذه الآية :
قوم إذا حاربوا ضروا عـدوهـم أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا سجية تلك فيهـم غـير مـحـدثة
إن الخلائق فاعلم شرها الـبـدع
قال في الكشاف : وهذا الكلام يسميه علماء البيان التفسير ، يريد أنه من المحسنات البديعية . ونقل عن أنه أنشد لنفسه لما فسر لطلبته هذه الآية ، فقيد عنه في الحواشي قوله : الزمخشري
[ ص: 77 ]
به فجع الفرسان فوق خيولـهـم كما فجعت تحت الستور العواتق
تساقط من أيديهم البيض حـيرة وزعزع عن أجيادهن المخانـق
وفي هذه الآية محسن الطباق مرتين بين " الذين كفروا " و " الذين آمنوا " وبين " الحق " و " الباطل " . وفي بيتي محسن الطباق مرة واحدة بين " فوق " و " تحت " . الزمخشري
واتباع الباطل واتباع الحق تمثيليان لهيئتي العمل بما يأمر به أيمة الشرك أولياءهم وما يدعو إليه القرآن ، أي عملوا بالباطل وعمل الآخرون بالحق .
ووصف الحق بأنه من ربهم تنويه به وتشريف لهم .