وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم عطف على قوله وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم .
والتولي : الرجوع ، واستعير هنا لاستبدال الإيمان بالكفر ، ولذلك جعل جزاؤه استبدال قوم غيرهم كما استبدلوا دين الله بدين الشرك .
والاستبدال : التبديل ، فالسين والتاء للمبالغة ، ومفعوله قوما . والمستبدل به محذوف دل على تقديره قوله " غيركم " ، فعلم أن المستبدل به هو ما أضيف إليه غير لتعين انحصار الاستبدال في شيئين ، فإذا ذكر أحدهما علم الآخر .
والتقدير : يستبدل قوما بكم لأن المستعمل في فعل الاستبدال والتبديل أن يكون المفعول هو المعوض ومجرور الباء هو العوض كقوله أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير [ ص: 139 ] تقدم في سورة البقرة . وإن كان كلا المتعلقين هو في المعنى معوض وعوض باختلاف الاعتبار ، ولذلك عدل في هذه الآية عن ذكر المجرور بالباء مع المفعول للإيجاز .
والمعنى : يتخذ قوما غيركم للإيمان والتقوى ، وهذا لا يقتضي أن الله لا يوجد قوما آخرين إلا عند ارتداد المخاطبين ، بل المراد : أنكم إن ارتددتم عن الدين كان لله قوم من المؤمنين لا يرتدون وكان لله قوم يدخلون في الإيمان ولا يرتدون .
روى الترمذي عن قال : أبي هريرة وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم . قالوا : ومن يستبدل بنا ؟ قال : فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على منكب سلمان الفارسي ثم قال : هذا وقومه ، هذا وقومه قال تلا رسول الله هذه الآية الترمذي : حديث غريب . وفي إسناده مقال .
وروى في الأوسط هذا الحديث على شرط الطبراني مسلم وزاد فيه فارس . والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من
وأقول هو يدل على أن فارس إذا آمنوا لا يرتدون وهو من دلائل نبوة النبيء - صلى الله عليه وسلم - فإن العرب ارتد منهم بعض القبائل بعد وفاة النبيء - صلى الله عليه وسلم - وارتد البربر بعد فتح بلادهم وإيمانهم اثنتي عشرة مرة فيما حكاه الشيخ ولم يرتد أبو محمد بن أبي زيد ، أهل فارس بعد إيمانهم .
و ( ثم ) للترتيب الرتبي لإفادة الاهتمام بصفة الثبات على الإيمان وعلوها على مجرد الإيمان ، أي ولا يكونوا أمثالكم في التولي .
والجملة معطوفة بـ ( ثم ) على جملة يستبدل قوما غيركم فهي في حيز جواب الشرط ، والمعطوف على جواب الشرط بحرف من حروف التشريك يجوز جزمه على العطف ، ويجوز رفعه على الاستئناف . وقد جاء في هذه الآية على الجزم وجاء في قوله - تعالى - وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون على الرفع . وأبدى الفخر وجها لإيثار الجزم هنا وإيثار الاستئناف هنالك فقال : وهو مع الجواز فيه تدقيق وهو أن هاهنا لا يكون متعلقا بالتولي لأنهم إن لم يتولوا يكونون ممن يأتي الله بهم على الطاعة ، وإن تولوا لا يكونون مثلهم لكونهم عاصين وكون من يأتي الله بهم [ ص: 140 ] مطيعين ، وأما هنالك فسواء قاتلوا أو لم يقاتلوا لا ينصرون فلم يكن للتعليق أي بالشرط هنالك وجه فرفع بالابتداء وهاهنا جزم للتعليق ا هـ . وهو دقيق ويزاد أن الفعل المعطوف على الجزاء في آية آل عمران وقع في آخر الفاصلة التي جرت أخواتها على حرف الواو والنون فلو أوثر جزم الفعل لأزيلت النون فاختلت الفاصلة .