nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49nindex.php?page=treesubj&link=29025_30455إنا كل شيء خلقناه بقدر .
استئناف وقع تذييلا لما قبله من الوعيد والإنذار والاعتبار بما حل بالمكذبين ، وهو أيضا توطئة لقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=50وما أمرنا إلا واحدة إلخ .
والمعنى : إنا خلقنا وفعلنا كل ما ذكر من الأفعال وأسبابها وآلاتها وسلطناه على مستحقيه لأنا خلقنا كل شيء بقدر ، أي فإذا علمتم هذا فانتبهوا إلى أن ما أنتم عليه من التكذيب والإصرار مماثل لما كانت عليه الأمم السالفة .
واقتران الخبر بحرف ( إن ) يقال فيه ما قلناه في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=47إن المجرمين في ضلال وسعر ؟ .
[ ص: 217 ] والخلق أصله : إيجاد ذات بشكل مقصود فهو حقيقة في إيجاد الذوات ، ويطلق مجازا على إيجاد المعاني التي تشبه الذوات في التميز والوضوح كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=17وتخلقون إفكا .
فإطلاقه في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49إنا كل شيء خلقناه بقدر من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه .
و ( شيء ) معناه موجود من الجواهر والأعراض ، أي : خلقنا كل الموجودات جواهرها وأعراضها بقدر .
والقدر : بتحريك الدال مرادف القدر بسكونها وهو تحديد الأمور وضبطها .
والمراد : أن خلق الله الأشياء مصاحب لقوانين جارية على الحكمة ، وهذا المعنى قد تكرر في القرآن كقوله في سورة الرعد
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=8وكل شيء عنده بمقدار ومما يشمله عموم كل شيء خلق جهنم للعذاب .
وقد أشار إلى أن الجزاء من مقتضى الحكمة قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=115أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=85وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=86إن ربك هو الخلاق العليم وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=38وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=39ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=40إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين فترى هذه الآيات وأشباهها تعقب ذكر كون الخلق كله لحكمة بذكر الساعة ويوم الجزاء . فهذا وجه تعقيب آيات الإنذار والعقاب المذكورة في هذه السورة بالتذييل بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49إنا كل شيء خلقناه بقدر بعد قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=43أكفاركم خير من أولئكم وسيقول
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=51ولقد أهلكنا أشياعكم .
فالباء في بقدر للملابسة ، والمجرور ظرف مستقر ، فهو في حكم المفعول الثاني لفعل خلقناه لأنه مقصود بذاته ، إذ ليس المقصود الإعلام بأن كل شيء مخلوق لله ، فإن ذلك لا يحتاج إلى الإعلام به بله تأكيده بل المقصود إظهار معنى العلم والحكمة في الجزاء كما في قوله تعالى في سورة الرعد
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=8وكل شيء عنده بمقدار .
[ ص: 218 ] nindex.php?page=treesubj&link=28775ومما يستلزمه معنى القدر أن كل شيء مخلوق هو جار على وفق علم الله وإرادته لأنه خالق أصول الأشياء وجاعل القوى فيها لتنبعث عنها آثارها ومتولداتها ، فهو عالم بذلك ومريد لوقوعه . وهذا قد سمي بالقدر في اصطلاح الشريعة كما جاء في حديث
جبريل الصحيح في ذكر ما يقع به الإيمان
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002537وتؤمن بالقدر خيره وشره .
وأخرج
مسلم ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=2002538جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القدر فنزلت nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=48يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49إنا كل شيء خلقناه بقدر . ولم يذكر راوي الحديث معنى القدر الذي خاصم فيه
كفار قريش فبقي مجملا ويظهر أنهم خاصموا جدلا ليدفعوا عن أنفسهم التعنيف بعبادة الأصنام كما قالوا
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20لو شاء الرحمن ما عبدناهم ، أي جدلا للنبيء - صلى الله عليه وسلم - بموجب ما يقوله من أن كل كائن بقدر الله جهلا منهم بمعاني القدر .
قال
عياض في الإكمال ظاهره أن المراد بالقدر هنا مراد الله ومشيئته وما سيق به قدره من ذلك ، وهو دليل مساق القصة التي نزلت بسببها الآية اهـ . وقال
الباجي في المنتقى : يحتمل من جهة اللغة معاني : أحدها : أن يكون القدر هاهنا بمعنى مقدر لا يزاد عليه ولا ينقص كما قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=3قد جعل الله لكل شيء قدرا .
والثاني : أن المراد أنه بقدرته ، كما قال
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بلى قادرين على أن نسوي بنانه .
والثالث : بقدر ، أي نخلقه في وقته ، أي نقدر له وقتا نخلقه فيه اهـ .
قلت : وإذا كان لفظ قدر جنسا ، ووقع معلقا بفعل متعلق بضمير كل شيء الدال على العموم كان ذلك اللفظ عاما للمعاني كلها فكل ما خلقه الله فخلقه بقدر ، وسبب النزول لا يخصص العموم ، ولا يناكد موقع هذا التذييل ، على أن السلف كانوا يطلقون سبب النزول على كل ما نزلت الآية للدلالة عليه ولو كانت الآية سابقة على ما عدوه من السبب .
واعلم أن الآية صريحة في أن كل ما خلقه الله كان بضبط جاريا على حكمة ،
[ ص: 219 ] وأما تعيين ما خلقه الله مما ليس مخلوقا له من أفعال العباد مثلا عند القائلين بخلق العباد أفعالهم كالمعتزلة والقائلين بكسب العبد كالأشعرية ، فلا حجة بالآية عليهم لاحتمال أن يكون مصب الإخبار هو مضمون ( خلقناه ) أو مضمون ( بقدر ) ، ولاحتمال عموم كل شيء للتخصيص ، ولاحتمال المراد بالشيء ما هو ، وليس نفي حجية هذه الآية على إثبات القدر الذي هو محل النزاع بين الناس بمبطل ثبوت القدر من أدلة أخرى .
nindex.php?page=treesubj&link=30451وحقيقة القدر الاصطلاحي خفية فإن مقدار تأثر الكائنات بتصرفات الله تعالى وبتسبب أسبابها ونهوض موانعها لم يبلغ علم الإنسان إلى كشف غوامضه ومعرفة ما مكن الله الإنسان من تنفيذ لما قدره الله ، والأدلة الشرعية والعقلية تقتضي أن الأعمال الصالحة والأعمال السيئة سواء في التأثر لإرادة الله تعالى وتعلق قدرته إذا تعلقت بشيء ، فليست نسبة آثار الخير إلى الله دون نسبة أثر الشر إليه إلا أدبا مع الخالق لقنه الله عبيده ، ولولا أنها منسوبة في التأثر لإرادة الله تعالى لكانت التفرقة بين أفعال الخير وأفعال الشر في النسبة إلى الله ملحقة باعتقاد المجوس بأن للخير إلها وللشر إلها ، وذلك باطل لقول النبيء - صلى الله عليه وسلم - وتؤمنوا بالقدر خيره وشره ، وقوله : القدرية مجوس هذه الأمة رواه أبو داود بسنده إلى ابن عمر مرفوعا .
وانتصب كل شيء على المفعولية ل خلقناه على طريقة الاشتغال ، وتقديمه على خلقناه ليتأكد مدلوله بذكر اسمه الظاهر ابتداء ، وذكر ضميره ثانيا ، وذلك هو الذي يقتضي العدول إلى الاشتغال في فصيح الكلام العربي فيحصل توكيد للمفعول بعد أن حصل تحقيق نسبة الفعل إلى فاعله بحرف ( إن ) المفيد لتوكيد الخبر وليتصل قوله ( بقدر ) بالعامل فيه وهو خلقناه ، لئلا يلتبس بالنعت لشيء لو قيل : إنا خلقنا كل شيء بقدر ، فيظن أن المراد : أنا خلقنا كل شيء مقدر فيبقى السامع منتظرا لخبر ( إن ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49nindex.php?page=treesubj&link=29025_30455إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ .
اسْتِئْنَافٌ وَقَعَ تَذْيِيلًا لِمَا قَبْلَهُ مِنَ الْوَعِيدِ وَالْإِنْذَارِ وَالْاِعْتِبَارِ بِمَا حَلَّ بِالْمُكَذِّبِينَ ، وَهُوَ أَيْضًا تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=50وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ إِلَخْ .
وَالْمَعْنَى : إِنَّا خَلَقْنَا وَفَعَلْنَا كُلَّ مَا ذُكِرَ مِنَ الْأَفْعَالِ وَأَسْبَابِهَا وَآلَاتِهَا وَسَلَّطْنَاهُ عَلَى مُسْتَحِقِّيهِ لِأَنَّا خَلَقَنَا كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ ، أَيْ فَإِذَا عَلِمْتُمْ هَذَا فَانْتَبَهُوا إِلَى أَنَّ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ التَّكْذِيبِ وَالْإِصْرَارِ مُمَاثِلٌ لِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْأُمَمُ السَّالِفَةُ .
وَاقْتِرَانُ الْخَبَرِ بِحَرْفِ ( إِنَّ ) يُقَالُ فِيهِ مَا قُلْنَاهُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=47إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ ؟ .
[ ص: 217 ] وَالْخَلْقُ أَصْلُهُ : إِيجَادُ ذَاتٍ بِشَكْلٍ مَقْصُودٍ فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي إِيجَادِ الذَّوَاتِ ، وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى إِيجَادِ الْمَعَانِي الَّتِي تُشْبِهُ الذَّوَاتِ فِي التَّمَيُّزِ وَالْوُضُوحِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=17وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا .
فَإِطْلَاقُهُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ مِنِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ .
وَ ( شَيْءٍ ) مَعْنَاهُ مَوْجُودٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ وَالْأَعْرَاضِ ، أَيْ : خَلَقْنَا كُلَّ الْمَوْجُودَاتِ جِوَاهِرُهَا وَأَعْرَاضُهَا بِقَدَرٍ .
وَالْقَدَرُ : بِتَحْرِيكِ الدَّالِ مُرَادِفُ الْقَدْرِ بِسُكُونِهَا وَهُوَ تَحْدِيدُ الْأُمُورِ وَضَبْطُهَا .
وَالْمُرَادُ : أَنَّ خَلْقَ اللَّهِ الْأَشْيَاءَ مُصَاحِبٌ لِقَوَانِينٍ جَارِيَةٍ عَلَى الْحِكْمَةِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=8وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ وَمِمَّا يَشْمَلُهُ عُمُومُ كُلِّ شَيْءٍ خَلْقُ جَهَنَّمَ لِلْعَذَابِ .
وَقَدْ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=115أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=85وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=86إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=38وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=39مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=40إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ فَتَرَى هَذِهِ الْآيَاتِ وَأَشْبَاهَهَا تُعَقِّبُ ذِكْرَ كَوْنِ الْخَلْقِ كُلِّهِ لِحِكْمَةٍ بِذِكْرِ السَّاعَةِ وَيَوْمِ الْجَزَاءِ . فَهَذَا وَجْهُ تَعْقِيبِ آيَاتِ الْإِنْذَارِ وَالْعِقَابِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بِالتَّذْيِيلِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ بَعْدَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=43أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ وَسَيَقُولُ
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=51وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ .
فَالْبَاءُ فِي بِقَدَرٍ لِلْمُلَابَسَةِ ، وَالْمَجْرُورُ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ ، فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِفِعْلِ خَلَقْنَاهُ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِذَاتِهِ ، إِذْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ الْإِعْلَامَ بِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِعْلَامِ بِهِ بَلْهَ تَأْكِيدَهُ بَلِ الْمَقْصُودُ إِظْهَارُ مَعْنَى الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ فِي الْجَزَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الرَّعْدِ
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=8وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ .
[ ص: 218 ] nindex.php?page=treesubj&link=28775وَمِمَّا يَسْتَلْزِمُهُ مَعْنَى الْقَدَرِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَخْلُوقٍ هُوَ جَارٍ عَلَى وَفْقِ عِلْمِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ لِأَنَّهُ خَالِقُ أُصُولِ الْأَشْيَاءِ وَجَاعِلُ الْقُوَى فِيهَا لِتَنْبَعِثَ عَنْهَا آثَارُهَا وَمُتَوَلِّدَاتُهَا ، فَهُوَ عَالِمٌ بِذَلِكَ وَمُرِيدٌ لِوُقُوعِهِ . وَهَذَا قَدْ سُمِّيَ بِالْقَدَرِ فِي اصْطِلَاحِ الشَّرِيعَةِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ
جِبْرِيلَ الصَّحِيحِ فِي ذِكْرِ مَا يَقَعُ بِهِ الْإِيمَانُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002537وَتُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ .
وَأَخْرَجَ
مُسْلِمٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ nindex.php?page=hadith&LINKID=2002538جَاءَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ يُخَاصِمُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَدَرِ فَنَزَلَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=48يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=49إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ . وَلَمْ يَذْكُرْ رَاوِي الْحَدِيثِ مَعْنَى الْقَدَرِ الَّذِي خَاصَمَ فِيهِ
كُفَّارُ قُرَيْشٍ فَبَقِيَ مُجْمَلًا وَيَظْهَرُ أَنَّهُمْ خَاصَمُوا جَدَلًا لِيَدْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمُ التَّعْنِيفَ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ كَمَا قَالُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ، أَيْ جَدَلًا لِلنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُوجَبِ مَا يَقُولُهُ مِنْ أَنَّ كُلَّ كَائِنٍ بِقَدَرِ اللَّهِ جَهْلًا مِنْهُمْ بِمَعَانِي الْقَدَرِ .
قَالَ
عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَدَرِ هَنَا مُرَادُ اللَّهِ وَمَشِيئَتُهُ وَمَا سِيقَ بِهِ قَدَرُهُ مِنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ دَلِيلُ مَسَاقِ الْقِصَّةِ الَّتِي نَزَلَتْ بِسَبَبِهَا الْآيَةُ اهـ . وَقَالَ
الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى : يَحْتَمِلُ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ مَعَانِي : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ الْقَدَرُ هَاهُنَا بِمَعْنَى مُقَدَّرٍ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْقُصُ كَمَا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=3قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ بِقُدْرَتِهِ ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ .
وَالثَّالِثُ : بِقَدَرٍ ، أَيْ نَخْلُقُهُ فِي وَقْتِهِ ، أَيْ نُقَدِّرُ لَهُ وَقْتًا نَخْلُقُهُ فِيهِ اهـ .
قُلْتُ : وَإِذَا كَانَ لَفْظُ قَدَرٍ جِنْسًا ، وَوَقَعَ مُعَلَّقًا بِفِعْلٍ مُتَعَلِّقٍ بِضَمِيرِ كُلِّ شَيْءٍ الدَّالِّ عَلَى الْعُمُومِ كَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ عَامًّا لِلْمَعَانِي كُلِّهَا فَكُلُّ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ فَخَلَقَهُ بِقَدَرٍ ، وَسَبَبُ النُّزُولِ لَا يُخَصِّصُ الْعُمُومَ ، وَلَا يُنَاكِدُ مَوْقِعَ هَذَا التَّذْيِيلِ ، عَلَى أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يُطْلِقُونَ سَبَبَ النُّزُولِ عَلَى كُلِّ مَا نَزَلَتِ الْآيَةُ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَتِ الْآيَةُ سَابِقَةٌ عَلَى مَا عَدُّوهُ مِنَ السَّبَبِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْآيَةَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ كُلَّ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ كَانَ بِضَبْطٍ جَارِيًا عَلَى حِكْمَةٍ ،
[ ص: 219 ] وَأَمَّا تَعْيِينٌ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ مِمَّا لَيْسَ مَخْلُوقًا لَهُ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ مَثَلًا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِخَلْقِ الْعِبَادِ أَفْعَالَهُمْ كَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَائِلِينَ بِكَسْبِ الْعَبْدِ كَالْأَشْعَرِيَّةِ ، فَلَا حُجَّةَ بِالْآيَةِ عَلَيْهِمْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَصَبُّ الْإِخْبَارِ هُوَ مَضْمُونُ ( خَلَقْنَاهُ ) أَوْ مَضْمُونُ ( بِقَدَرٍ ) ، وَلِاحْتِمَالِ عُمُومِ كُلِّ شَيْءٍ لِلتَّخْصِيصِ ، وَلِاحْتِمَالِ الْمُرَادِ بِالشَّيْءِ مَا هُوَ ، وَلَيْسَ نَفْيُ حُجِّيَّةِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إِثْبَاتِ الْقَدَرِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ بَيْنَ النَّاسِ بِمُبْطِلِ ثُبُوتِ الْقَدَرِ مِنْ أَدِلَّةٍ أُخْرَى .
nindex.php?page=treesubj&link=30451وَحَقِيقَةُ الْقَدَرِ الْاِصْطِلَاحِيِّ خَفِيَّةٌ فَإِنَّ مِقْدَارَ تَأَثُّرِ الْكَائِنَاتِ بِتَصَرُّفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِتَسَبُّبِ أَسْبَابِهَا وَنُهُوضِ مَوَانِعِهَا لَمْ يَبْلُغْ عِلْمُ الْإِنْسَانِ إِلَى كَشْفِ غَوَامِضِهِ وَمَعْرِفَةِ مَا مَكَّنَ اللَّهُ الْإِنْسَانَ مِنْ تَنْفِيذٍ لِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ ، وَالْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ وَالْعَقْلِيَّةُ تَقْتَضِي أَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَالْأَعْمَالَ السَّيِّئَةَ سَوَاءٌ فِي التَّأَثُّرِ لِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعَلُّقِ قُدْرَتِهِ إِذَا تَعَلَّقَتْ بِشَيُءٍ ، فَلَيْسَتْ نِسْبَةُ آثَارِ الْخَيْرِ إِلَى اللَّهِ دُونَ نِسْبَةِ أَثَرِ الشَّرِّ إِلَيْهِ إِلَّا أَدَبًا مَعَ الْخَالِقِ لَقَّنَهُ اللَّهُ عَبِيدَهُ ، وَلَوْلَا أَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ فِي التَّأَثُّرِ لِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَكَانَتِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَفْعَالِ الْخَيْرِ وَأَفْعَالِ الشَّرِّ فِي النِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ مُلْحَقَةً بِاعْتِقَادِ الْمَجُوسِ بِأَنَّ لِلْخَيْرِ إِلَهًا وَلِلشَّرِّ إِلَهًا ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ لِقَوْلِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتُؤْمِنُوا بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ، وَقَوْلِهِ : الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدِهِ إِلَى ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا .
وَانْتَصَبَ كُلَّ شَيْءٍ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ لِ خَلَقْنَاهُ عَلَى طَرِيقَةِ الْاِشْتِغَالِ ، وَتَقْدِيمُهُ عَلَى خَلَقْنَاهُ لِيَتَأَكَّدَ مَدْلُولُهُ بِذِكْرِ اسْمِهِ الظَّاهِرِ ابْتِدَاءً ، وَذِكْرَ ضَمِيرِهِ ثَانِيًا ، وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِي الْعُدُولَ إِلَى الْاِشْتِغَالِ فِي فَصِيحِ الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ فَيَحْصُلُ تَوْكِيدٌ لِلْمَفْعُولِ بَعْدَ أَنْ حَصَلَ تَحْقِيقُ نِسْبَةِ الْفِعْلِ إِلَى فَاعِلِهِ بِحَرْفِ ( إِنَّ ) الْمُفِيدِ لِتَوْكِيدِ الْخَبَرِ وَلِيَتَّصِلَ قَوْلُهُ ( بِقَدَرٍ ) بِالْعَامِلِ فِيهِ وَهُوَ خَلَقْنَاهُ ، لِئَلَّا يَلْتَبِسُ بِالنَّعْتِ لِشَيْءٍ لَوْ قِيلَ : إِنَّا خَلَقَنَا كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ ، فَيَظُنَّ أَنَّ الْمُرَادَ : أَنَّا خَلَقْنَا كُلَّ شَيْءٍ مُقَدَّرٍ فَيَبْقَى السَّامِعُ مُنْتَظِرًا لِخَبَرِ ( إِنَّ ) .