دل قوله : كلما دخل عليها زكرياء المحراب وجد عندها رزقا على كلام محذوف ، أي فكانت مريم ملازمة لخدمة بيت المقدس ، وكانت تتعبد بمكان تتخذه لها محرابا ، وكان زكرياء يتعهد تعبدها فيرى كرامة لها أن عندها ثمارا في غير وقت وجود صنفها .
و " كلما " مركبة من " كل " الذي هو اسم لعموم ما يضاف هو إليه ، ومن " ما " الظرفية وصلتها المقدرة بالمصدر ، والتقدير : كل وقت دخول زكرياء عليها وجد عندها رزقا .
وانتصب " كل " على النيابة عن المفعول فيه ، وقد تقدم عند قوله تعالى : كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل في سورة البقرة .
فجملة وجد عندها رزقا حال من زكرياء في قوله : وكفلها زكرياء .
[ ص: 237 ] ولك أن تجعل جملة وجد عندها رزقا بدل اشتمال من جملة وكفلها زكرياء .
و المحراب بناء يتخذه أحد ليخلو فيه بتعبده وصلاته ، وأكثر ما يتخذ في علو يرتقى إليه بسلم أو درج ، وهو غير المسجد ، وأطلق على غير ذلك إطلاقات على وجه التشبيه أو التوسع ، كقول : عمر بن أبي ربيعة
دمية عند راهـب قـسـيس صوروها في مذبح المحراب
أراد في مذبح البيعة ، لأن المحراب لا يجعل فيه مذبح . وقد قيل : إن المحراب مشتق من الحرب ؛ لأن المتعبد كأنه يحارب الشيطان فيه ، فكأنهم جعلوا ذلك المكان آلة لمحرب الشيطان .ثم أطلق المحراب عند المسلمين على موضع كشكل نصف قبة في طول قامة ونصف ، يجعل بموضع القبلة ليقف فيه الإمام للصلاة . وهو إطلاق مولد وأول محراب في الإسلام محراب مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - صنع في خلافة مدة إمارة الوليد بن عبد الملك ، على عمر بن عبد العزيز المدينة . والتعريف في " المحراب " تعريف الجنس ويعلم أن المراد محراب جعلته مريم للتعبد .
و أنى استفهام عن المكان ، أي من أين لك هذا ، فلذلك كان جواب استفهامه قولها من عند الله .
واستفهام زكرياء مريم عن الرزق لأنه في غير إبانه ووقت أمثاله ، قيل : كان عنبا في فصل الشتاء . والرزق تقدم آنفا عند قوله : وترزق من تشاء بغير حساب .
وجملة إن الله يرزق من يشاء من كلام مريم المحكي .
والحساب في قوله : بغير حساب بمعنى الحصر ؛ لأن الحساب يقتضي حصر الشيء المحسوب بحيث لا يزيد ولا ينقص ، فالمعنى . إن الله يرزق من يريد رزقه بما لا يعرف مقداره لأنه موكول إلى فضل الله