حال من لمن خاف مقام ربه . وجيء بالحال صيغة جمع بمعنى اعتبار صاحب الحال وصلاحية لفظه للواحد والمتعدد ، لا باعتبار وقوع صلته بصيغة الإفراد فإن ذلك اعتبار بكون ( من ) مفردة اللفظ .
والمعنى : أعطوا الجنان واستقروا بها واتكئوا على فرش .
والاتكاء : افتعال من الوكء مهموز اللام وهو الاعتماد ، فصار الاتكاء اسما لاعتماد الجالس ومرفقه إلى الأرض وجنبه إلى الأرض وهي هيئة بين الاضطجاع على الجنب والقعود ، وتقدم في قوله وأعتدت لهن متكأ في سورة يوسف ، وتقدم أيضا في سورة الصافات .
وفرش : جمع فراش ككتاب وكتب . والفراش أصله ما يفرش ، أي يبسط على الأرض للنوم والاضطجاع .
ثم أطلق الفراش على السرير المرتفع على الأرض بسوق لأنه يوضع عليه ما شأنه أن يفرش على الأرض تسمية باسم ما جعل فيه ، ولذلك ورد ذكره في سورة الواقعة في قوله على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين وفي سورة الصافات على سرر متقابلين .
والمعبر عنه في هذه الآيات واحد يدل على أن المراد بالفرش في هذه الآية السرر التي عليها الفرش .
[ ص: 268 ] والاتكاء : جلسة أهل الترف المخدومين لأنها جلسة راحة وعدم احتياج إلى النهوض للتناول ونحوه وتقدم في سورة الكهف .
والبطائن : جمع بطانة بكسر الباء وهي مشتقة من البطن ضد الظهر من كل شيء ، وهو هنا مجاز عن الأسفل . يقال للجهة السفلى : بطن ، وللجهة العليا ظهر ، فيقال : بطنت ثوبي بآخر إذا جعل تحت ثوبه آخر ، فبطانة الثوب داخله وما لا يبدو منه ، وضد البطانة الظهارة بكسر الظاء ، ومن كلامهم : أفرشني ظهر أمره وبطنه ، أي : علانيته وسره ، شبهت العلانية بظهر الفراش والسر ببطن الفراش وهما الظهارة والبطانة ، ولذلك أتبع هذا التشبيه باستعارة فعل : أفرشني . فالبطانة : هي الثوب الذي يجعل على الفراش . والظهارة : الثوب الذي يجعل فوق البطانة ليظهر لرؤية الداخل للبيت فتكون الظهارة أحسن من البطانة في الفراش الواحد .
والعرب كانوا يجعلون الفراش حشية ، أي شيئا محشوا بصوف أو قطن أو ليف ليكون أوثر للجنب ، قال عنترة يصف تنعم عبلة :
تمسي وتصبح فوق ظهر حشية وأبيت فوق سراة أدهم ملجم
فإذا وضعوا على الحشية ثوبا أو خاطوها بثوب فهو البطانة ، وإذا غطوا ذلك بثوب أحسن منه فهو الظهارة .فالمعنى هنا : أن بطائن فرش الجنة من إستبرق فلا تسأل عن ظهائرها فإنها أجود من ذلك ، ولا ثوب من الثياب المعروفة عند الناس في الدنيا أنفس من الإستبرق البطائن بالذكر كناية عن نفاسة وصف ظهائر الفرش .
والإستبرق : صنف رفيع من الديباج الغليظ . والديباج : نسيج غليظ من حرير والإستبرق ينسج بخيوط الذهب . قال الفخر : وهو معرب عن الفارسية عن كلمة ( ستبرك ) بكاف في آخره علامة تصغير ( ستبز ) بمعنى ثخين ، وقد تقدم في سورة الكهف ، فأبدلوا الكاف قافا خشية اشتباه الكاف بكاف الخطاب ، والذي في القاموس : الإستبرق : الديباج الغليظ معرب استروه ، وقد [ ص: 269 ] تبين أن الإستبرق : صنف من الديباج ، والديباج : ثوب منسوج من الحرير منقوش وهو أجود أنواع الثياب .
ومن ( جنى الجنتين ) : ما يجنى من ثمارهما ، وهو بفتح الجيم ما يقطف من الثمر . والمعنى : أن ثمر الجنة دان منهم وهم على فرشهم فمتى شاءوا اقتطفوا منه .