والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون .
لما ذكر فضل المتصدقين وكان من المؤمنين من لا مال له ليتصدق منه أعقب ذكر المتصدقين ببيان مطلقا ، وهو شامل لمن يستطيع أن يتصدق ومن لا يستطيع على نحو التذكير المتقدم آنفا في قوله فضل المؤمنين وكلا وعد الله الحسنى .
وفي الحديث . إن قوما من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم ولا أموال لنا ، فقال : أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به ، إن لكم في كل تسبيحة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة
[ ص: 397 ] و " الذين آمنوا " يعم كل من ثبت له مضمون هذه الصلة وما عطف عليها .
وفي جمع " ورسله " ، تعريض بأهل الكتاب الذين قالوا : نؤمن ببعض ونكفر ببعض ، فاليهود آمنوا بالله وبموسى ، وكفروا بعيسى وبمحمد عليهما الصلاة والسلام ، والنصارى آمنوا بالله وكفروا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون آمنوا برسل الله كلهم ، ولذلك وصفوا بأنهم الصديقون .
والصديق بتشديد الدال مبالغة في المصدق مثل المسيك للشحيح ، أي : كثير الإمساك لماله ، والأكثر أن يشتق هذا الوزن من الثلاثي مثل : الضليل ، وقد يشتق من المزيد ، وذلك . أن الصيغ القليلة الاستعمال يتوسعون فيها كما توسع في السميع بمعنى المسمع في بيت عمرو بن معدي كرب ، والحكيم بمعنى المحكم في ، وإنما وصفوا بأنهم صديقون لأنهم صدقوا جميع الرسل الحق ولم تمنعهم عن ذلك عصبية ولا عناد ، وقد تقدم في سورة يوسف وصفه بالصديق ووصفت مريم بالصديقة في سورة العقود . أسماء الله تعالى
وضمير الفصل للقصر وهو قصر إضافي ، أي : هم الصديقون لا الذين كذبوا بعض الرسل وهذا إبطال لأن يكون أهل الكتاب صديقين لأن تصديقهم رسولهم لا جدوى له إذ لم يصدقوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم .
واسم الإشارة للتنويه بشأنهم وللتنبيه على أن المشار إليهم استحقوا ما يرد بعد اسم الإشارة من أجل الصفات التي قبل اسم الإشارة .