[ ص: 285 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75nindex.php?page=treesubj&link=28974_19863ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=76بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين .
عطف على قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=72وقالت طائفة من أهل الكتاب أو على قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=69ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم عطف القصة على القصة والمناسبة بيان دخائل
nindex.php?page=treesubj&link=30726_31931أحوال اليهود في معاملة المسلمين الناشئة عن حسدهم وفي انحرافهم عن ملة
إبراهيم مع ادعائهم أنهم أولى الناس به ، فقد حكى في هذه الآية خيانة فريق منهم .
وقد ذكر الله هنا في أهل الكتاب فريقين : فريقا يؤدي الأمانة تعففا عن الخيانة وفريقا لا يؤدي الأمانة متعللين لإباحة الخيانة في دينهم ، قيل : ومن الفريق الأول
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام ، ومن الفريق الثاني
فنحاص بن عازوراء وكلاهما من
يهود يثرب .
والمقصود من الآية ذم الفريق الثاني إذ كان من دينهم في زعمهم إباحة الخون قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل فلذلك كان المقصود هو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلخ ولذلك طول الكلام فيه . وإنما قدم عليه قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار إنصافا لحق هذا الفريق ، لأن الإنصاف مما اشتهر به الإسلام ، وإن كان في زعمهم أن دينهم يبيح لهم خيانة غيرهم ، فقد صار النعي عليهم ، والتعبير بهذا القول لازما لجميعهم أمينهم وخائنهم ، لأن الأمين حينئذ لا مزية له إلا في أنه ترك حقا يبيح له دينه أخذه ، فترفع عن ذلك كما يترفع المتغالي في المروءة عن بعض المباحات .
وتقديم المسند في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75ومن أهل الكتاب في الموضعين للتعجيب من مضمون صلة المسند إليهما : ففي الأول للتعجيب من قوة الأمانة ، مع إمكان الخيانة ووجود العذر له في عادة أهل دينه ، وفي الثاني للتعجيب من أن يكون الخون خلقا لمتبع كتاب من كتب الله ، ثم يزيد التعجيب عند قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75ذلك بأنهم قالوا : فيكسب المسند إليهما زيادة عجب حال .
[ ص: 286 ] وعدي " تأمنه " بالباء مع أن مثله يتعدى بعلى كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=64هل آمنكم عليه ، لتضمينه معنى تعامله بقنطار ليشمل الأمانة بالوديعة ، والأمانة بالمعاملة على الاستيمان ، وقيل الباء فيه بمعنى " على " كقول
أبي ذر أو
عباس بن مرداس :
أرب يبول الثعلبان برأسه
وهو محمل بعيد ، لأن الباء في البيت للظرفية كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=24ببطن مكة .
وقرأ الجمهور
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75يؤده إليك بكسر الهاء من " يؤده " على الأصل في الضمائر .
وقرأه
أبو عمرو ، وحمزة ، وأبو بكر عن
عاصم ، وأبو جعفر : بإسكان هاء الضمير في " يؤده " فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : هذا الإسكان الذي روي عن هؤلاء غلط بين لأن الهاء لا ينبغي أن تجزم وإذا لم تجزم فلا يجوز أن تكسر في الوصل ، هكذا نقله
ابن عطية ومعناه أن جزم الجواب لا يظهر على هاء الضمير بل على آخر حرف من الفعل ولا يجوز تسكينها في الوصل كما في أكثر الآيات التي سكنوا فيها الهاء . وقيل هو إجراء للوصل مجرى الوقف وهو قليل ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : وأما
أبو عمرو فأراه كان يختلس الكسر فغلط عليه من نقله . وكلام
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج مردود لأنه راعى فيه المشهور من الاستعمال المقيس ، واللغة أوسع من ذلك ، والقرآن حجة . وقرأه
هشام عن
ابن عامر ، ويعقوب باختلاس الكسر .
وحكى
القرطبي عن
الفراء : أن مذهب بعض العرب يجزمون الهاء إذا تحرك ما قبلها يقولون ضربته كما يسكنون ميم أنتم وقمتم وأصله الرفع وهذا كما قال الراجز :
لما رأى ألا دعـه ولا شـبـع مال إلى أرطاة حقف فاضطجع
والقنطار تقدم آنفا في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=14والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة .
والدينار اسم للمسكوك من الذهب الذي وزنه اثنتان وسبعون حبة من الشعير المتوسط وهو معرب " دنار " من الرومية .
وقد جعل القنطار والدينار مثلين للكثرة والقلة ، والمقصود ما يفيده الفحوى من أداء الأمانة فيما هو دون القنطار ، ووقوع الخيانة فيما هو فوق الدينار .
[ ص: 287 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75إلا ما دمت عليه قائما أطلق القيام هنا على الحرص والمواظبة كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18قائما بالقسط أي لا يفعل إلا العدل .
وعدي " قائما " بحرف " على " لأن القيام مجاز على الإلحاح والترداد فتعديته بحرف الاستعلاء قرينة وتجريد للاستعارة .
و " ما " من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75إلا ما دمت عليه قائما حرف مصدري يصير الفعل بعده في تأويل مصدر ، ويكثر أن يقدر معها اسم زمان ملتزم حذفه ، يدل عليه سياق الكلام فحينئذ يقال : " ما " ظرفية مصدرية . وليست الظرفية مدلولها بالأصالة ولا هي نائبة عن الظرف ، ولكنها مستفادة من موقع " ما " في سياق كلام يؤذن بالزمان ، ويكثر ذلك في دخول " ما " على الفعل المتصرف من مادة " دام " ومرادفها .
و " ما " في هذه الآية كذلك فالمعنى : لا يؤده إليك إلا في مدة دوام قيامك عليه أي إلحاحك عليه . والدوام حقيقته استمرار الفعل وهو هنا مجاز في طول المدة ، لتعذر المعنى الحقيقي مع وجود أداة الاستثناء ، لأنه إذا انتهى العمر لم يحصل الإلحاح بعد الموت .
والاستثناء من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75إلا ما دمت عليه قائما يجوز أن يكون استثناء مفرغا من أوقات يدل عليها موقع " ما " والتقدير : لا يؤده إليك في جميع الأزمان إلا زمانا تدوم عليه فيه قائما . فيكون ما بعد " إلا " نصبا على الظرف ، ويجوز أن يكون مفرغا من مصادر يدل عليها معنى " ما " المصدرية ، فيكون ما بعده منصوبا على الحال لأن المصدر يقع حالا .
وقدم المجرور على متعلقه في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75عليه قائما للاهتمام بمعنى المجرور ، ففي تقديمه معنى الإلحاح ، أي إذا لم يكن قيامك عليه لا يرجع لك أمانتك .
والإشارة في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75ذلك بأنهم قالوا إلى الحكم المذكور وهو
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك وإنما أشير إليه لكمال العناية بتمييزه لاختصاصه بهذا الشأن العجيب .
والباء للسبب أي ذلك مسبب عن أقوال اختلقوها ، وعبر عن ذلك بالقول ، لأن القول يصدر عن الاعتقاد ، فلذا ناب منابه فأطلق على الظن في مواضع من كلام العرب .
وأرادوا بالأميين من ليسوا من أهل الكتاب في القديم ، وقد تقدم بيان معنى الأمي في سورة البقرة .
[ ص: 288 ] وحرف " في " هنا للتعليل . وإذ قد كان التعليل لا يتعلق بالذوات ، تعين تقدير مضاف مجرور بحرف " في " والتقدير : في معاملة الأميين .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75ليس علينا في الأميين سبيل ليس علينا في أكل حقوقهم حرج ولا إثم ، فتعليق الحكم بالأميين أي ذواتهم مراد منه أعلق أحوالهم بالغرض الذي سيق له الكلام .
فالسبيل هنا طريق المؤاخذة ، ثم أطلق السبيل في كلام العرب مجازا مشهورا على المؤاخذة قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91ما على المحسنين من سبيل وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=93إنما السبيل على الذين يستأذنونك وربما عبر عنه العرب بالطريق قال
حميد بن ثور :
وهل أنا إن عللت نفسي بسرحة من السرح موجود علي طريق
وقصدهم من ذلك أن يحقروا المسلمين ، ويتطاولوا بما أوتوه من معرفة القراءة والكتابة من قبلهم . أو أرادوا الأميين بمعرفة التوراة ، أي الجاهلين : كناية عن كونهم ليسوا من أتباع دين
موسى عليه السلام .
وأيا ما كان فقد أنبأ هذا عن خلق عجيب فيهم ، وهو استخفافهم بحقوق المخالفين لهم في الدين ، واستباحة ظلمهم مع اعتقادهم أن الجاهل أو الأمي جدير بأن يدحض حقه . والظاهر أن الذي جرأهم على هذا سوء فهمهم في التوراة ، فإن التوراة ذكرت أحكاما فرقت فيها بين الإسرائيلي وغيره في الحقوق ، غير أن ذلك فيما يرجع إلى المؤاساة والمخالطة بين الأمة ، فقد جاء في سفر التثنية الإصحاح الخامس عشر : في آخر سبع سنين تعمل إبراء يبرئ كل صاحب دين يده مما أقرض صاحبه . الأجنبي تطالب ، وأما ما كان لك عند أخيك فتبرئه . وجاء في الإصحاح 23 منه ( لا تقرض أخاك بربا فضة أو ربا طعام وللأجنبي تقرض بربا ) ولكن شتان بين الحقوق وبين المؤاساة فإن تحريم الربا إنما كان لقصد المؤاساة ، والمؤاساة غير مفروضة مع غير أهل الملة الواحدة . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12861ابن الكلبي قالت
اليهود : الأموال كلها كانت لنا ، فما في أيدي العرب منها فهو لنا ، وإنهم ظلمونا وغصبونا فلا إثم علينا في أخذ أموالنا منهم . وهذان
nindex.php?page=treesubj&link=31931الخلقان الذميمان اللذان حكاهما الله عن اليهود قد اتصف بهما كثير من المسلمين ، فاستحل بعضهم حقوق أهل الذمة ، وتأولوها بأنهم صاروا أهل حرب ، في حين لا حرب ولا ضرب .
[ ص: 289 ] وقد كذبهم الله تعالى في هذا الزعم فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75ويقولون على الله الكذب قال المفسرون : إنهم ادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير أنه لما نزل قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75ومن أهل الكتاب من إن تأمنه إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=75وهم يعلمون قال النبيء - صلى الله عليه وسلم - :
كذب أعداء الله ما من شيء كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي هاتين إلا nindex.php?page=treesubj&link=32455الأمانة فإنها مؤداة إلى البر والفاجر .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75وهم يعلمون حال أي يتعمدون الكذب إما لأنهم علموا أن ما قاسوه على ما في كتابهم ليس القياس فيه بصحيح ، وإما لأن التأويل الباطل بمنزلة العلم بالكذب ، إذ الشبهة الضعيفة كالعهد .
وبلى حرف جواب وهو مختص بإبطال النفي فهو هنا لإبطال قولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75ليس علينا في الأميين سبيل .
وبلى غير مختصة بجواب استفهام المنفي بل يجاب بها عن قصد الإبطال ، وأكثر مواقعها في جواب الاستفهام المنفي ، وجيء في الجواب بحكم عام ليشمل المقصود وغيره : توفيرا للمعنى ، وقصدا في اللفظ ، فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=76من أوفى بعهده أي لم يخن ، لأن الأمانة عهد ، واتقى ربه فلم يدحض حق غيره
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=76فإن الله يحب المتقين أي الموصوفين بالتقوى ، والمقصود نفي محبة الله عن ضد المذكور بقرينة المقام .
[ ص: 285 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75nindex.php?page=treesubj&link=28974_19863وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=76بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ .
عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=72وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ عَلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=69وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ عَطْفُ الْقِصَّةِ عَلَى الْقِصَّةِ وَالْمُنَاسَبَةُ بَيَانُ دَخَائِلِ
nindex.php?page=treesubj&link=30726_31931أَحْوَالِ الْيَهُودِ فِي مُعَامَلَةِ الْمُسْلِمِينَ النَّاشِئَةِ عَنْ حَسَدِهِمْ وَفِي انْحِرَافِهِمْ عَنْ مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ مَعَ ادِّعَائِهِمْ أَنَّهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ ، فَقَدْ حَكَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ خِيَانَةَ فَرِيقٍ مِنْهُمْ .
وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ هُنَا فِي أَهْلِ الْكِتَابِ فَرِيقَيْنِ : فَرِيقًا يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ تَعَفُّفًا عَنِ الْخِيَانَةِ وَفَرِيقًا لَا يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ مُتَعَلِّلِينَ لِإِبَاحَةِ الْخِيَانَةِ فِي دِينِهِمْ ، قِيلَ : وَمِنَ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ
nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ، وَمِنَ الْفَرِيقِ الثَّانِي
فِنْحَاصُ بْنُ عَازُورَاءَ وَكِلَاهُمَا مِنْ
يَهُودِ يَثْرِبَ .
وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ ذَمُّ الْفَرِيقِ الثَّانِي إِذْ كَانَ مِنْ دِينِهِمْ فِي زَعْمِهِمْ إِبَاحَةُ الْخَوْنِ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ فَلِذَلِكَ كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَخْ وَلِذَلِكَ طَوَّلَ الْكَلَامَ فِيهِ . وَإِنَّمَا قَدَّمَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ إِنْصَافًا لِحَقِّ هَذَا الْفَرِيقِ ، لِأَنَّ الْإِنْصَافَ مِمَّا اشْتُهِرَ بِهِ الْإِسْلَامُ ، وَإِنْ كَانَ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ دِينَهُمْ يُبِيحُ لَهُمْ خِيَانَةَ غَيْرِهِمْ ، فَقَدْ صَارَ النَّعْيُ عَلَيْهِمْ ، وَالتَّعْبِيرُ بِهَذَا الْقَوْلِ لَازِمًا لِجَمِيعِهِمْ أِمِينِهِمْ وَخَائِنِهِمْ ، لِأَنَّ الْأَمِينَ حِينَئِذٍ لَا مَزِيَّةَ لَهُ إِلَّا فِي أَنَّهُ تَرَكَ حَقًّا يُبِيحُ لَهُ دِينُهُ أَخْذَهُ ، فَتَرَفَّعَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا يَتَرَفَّعُ الْمُتَغَالِي فِي الْمُرُوءَةِ عَنْ بَعْضِ الْمُبَاحَاتِ .
وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِلتَّعْجِيبِ مِنْ مَضْمُونِ صِلَةِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِمَا : فَفِي الْأَوَّلِ لِلتَّعْجِيبِ مِنْ قُوَّةِ الْأَمَانَةِ ، مَعَ إِمْكَانِ الْخِيَانَةِ وَوُجُودِ الْعُذْرِ لَهُ فِي عَادَةِ أَهْلِ دِينِهِ ، وَفِي الثَّانِي لِلتَّعْجِيبِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْخَوْنُ خُلُقًا لِمُتَّبِعِ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ ، ثُمَّ يَزِيدُ التَّعْجِيبُ عِنْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا : فَيُكْسِبُ الْمُسْنَدَ إِلَيْهِمَا زِيَادَةَ عَجَبِ حَالٍ .
[ ص: 286 ] وَعُدِّيَ " تَأْمَنُهُ " بِالْبَاءِ مَعَ أَنَّ مِثْلَهُ يَتَعَدَّى بِعَلَى كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=64هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ ، لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى تُعَامِلُهُ بِقِنْطَارٍ لِيَشْمَلَ الْأَمَانَةَ بِالْوَدِيعَةِ ، وَالْأَمَانَةَ بِالْمُعَامَلَةِ عَلَى الِاسْتِيمَانِ ، وَقِيلَ الْبَاءُ فِيهِ بِمَعْنَى " عَلَى " كَقَوْلِ
أَبِي ذَرٍّ أَوْ
عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ :
أَرَبٌّ يَبُولُ الثُّعْلُبَانُ بِرَأْسِهِ
وَهُوَ مَحْمَلٌ بَعِيدٌ ، لِأَنَّ الْبَاءَ فِي الْبَيْتِ لِلظَّرْفِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=24بِبَطْنِ مَكَّةَ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ بِكَسْرِ الْهَاءِ مِنْ " يُؤَدِّهِ " عَلَى الْأَصْلِ فِي الضَّمَائِرِ .
وَقَرَأَهُ
أَبُو عَمْرٍو ، وَحَمْزَةُ ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ
عَاصِمٍ ، وَأَبُو جَعْفَرٍ : بِإِسْكَانِ هَاءِ الضَّمِيرِ فِي " يُؤَدِّهِ " فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : هَذَا الْإِسْكَانُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ هَؤُلَاءِ غَلَطٌ بَيِّنٌ لِأَنَّ الْهَاءَ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُجْزَمَ وَإِذَا لَمْ تُجْزَمْ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُكْسَرَ فِي الْوَصْلِ ، هَكَذَا نَقَلَهُ
ابْنُ عَطِيَّةَ وَمَعْنَاهُ أَنَّ جَزْمَ الْجَوَابِ لَا يَظْهَرُ عَلَى هَاءِ الضَّمِيرِ بَلْ عَلَى آخِرِ حَرْفٍ مِنَ الْفِعْلِ وَلَا يَجُوزُ تَسْكِينُهَا فِي الْوَصْلِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْآيَاتِ الَّتِي سَكَّنُوا فِيهَا الْهَاءَ . وَقِيلَ هُوَ إِجْرَاءٌ لِلْوَصْلِ مُجْرَى الْوَقْفِ وَهُوَ قَلِيلٌ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : وَأَمَّا
أَبُو عَمْرٍو فَأُرَاهُ كَانَ يَخْتَلِسُ الْكَسْرَ فَغَلَطَ عَلَيْهِ مَنْ نَقَلَهُ . وَكَلَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ رَاعَى فِيهِ الْمَشْهُورَ مِنَ الِاسْتِعْمَالِ الْمَقِيسِ ، وَاللُّغَةُ أَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ . وَقَرَأَهُ
هِشَامٌ عَنِ
ابْنِ عَامِرٍ ، وَيَعْقُوبُ بِاخْتِلَاسِ الْكَسْرِ .
وَحَكَى
الْقُرْطُبِيُّ عَنِ
الْفَرَّاءِ : أَنَّ مَذْهَبَ بَعْضِ الْعَرَبِ يَجْزِمُونَ الْهَاءَ إِذَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا يَقُولُونَ ضَرَبْتُهْ كَمَا يُسَكِّنُونَ مِيمَ أَنْتُمْ وَقُمْتُمْ وَأَصْلُهُ الرَّفْعُ وَهَذَا كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ :
لَمَّا رَأَى أَلَّا دَعَـهْ وَلَا شِـبَـعْ مَالَ إِلَى أَرْطَاةِ حِقْفٍ فَاضْطَجَعْ
وَالْقِنْطَارُ تَقَدَّمَ آنِفًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=14وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ .
وَالدِّينَارُ اسْمٌ لِلْمَسْكُوكِ مِنَ الذَّهَبِ الَّذِي وَزْنُهُ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةً مِنَ الشَّعِيرِ الْمُتَوَسِّطِ وَهُوَ مُعَرَّبُ " دِنَّارٍ " مِنَ الرُّومِيَّةِ .
وَقَدْ جُعِلَ الْقِنْطَارُ وَالدِّينَارُ مَثَلَيْنِ لِلْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ ، وَالْمَقْصُودُ مَا يُفِيدُهُ الْفَحْوَى مِنْ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ فِيمَا هُوَ دُونَ الْقِنْطَارِ ، وَوُقُوعِ الْخِيَانَةِ فِيمَا هُوَ فَوْقَ الدِّينَارِ .
[ ص: 287 ] وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا أُطْلِقَ الْقِيَامَ هُنَا عَلَى الْحِرْصِ وَالْمُوَاظَبَةِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18قَائِمًا بِالْقِسْطِ أَيْ لَا يَفْعَلُ إِلَّا الْعَدْلَ .
وَعُدِّيَ " قَائِمًا " بِحَرْفِ " عَلَى " لِأَنَّ الْقِيَامَ مَجَازٌ عَلَى الْإِلْحَاحِ وَالتَّرْدَادِ فَتَعْدِيَتُهُ بِحَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ قَرِينَةٌ وَتَجْرِيدٌ لِلِاسْتِعَارَةِ .
وَ " مَا " مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ يَصِيرُ الْفِعْلُ بَعْدَهُ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ ، وَيَكْثُرُ أَنْ يُقَدَّرَ مَعَهَا اسْمُ زَمَانٍ مُلْتَزَمٍ حَذْفُهُ ، يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ فَحِينَئِذٍ يُقَالُ : " مَا " ظَرْفِيَّةٌ مَصْدَرِيَّةٌ . وَلَيْسَتِ الظَّرْفِيَّةُ مَدْلُولَهَا بِالْأَصَالَةِ وَلَا هِيَ نَائِبَةٌ عَنِ الظَّرْفِ ، وَلَكِنَّهَا مُسْتَفَادَةٌ مِنْ مَوْقِعِ " مَا " فِي سِيَاقِ كَلَامٍ يُؤْذِنُ بِالزَّمَانِ ، وَيَكْثُرُ ذَلِكَ فِي دُخُولِ " مَا " عَلَى الْفِعْلِ الْمُتَصَرِّفِ مِنْ مَادَّةِ " دَامَ " وَمُرَادِفِهَا .
وَ " مَا " فِي هَذِهِ الْآيَةِ كَذَلِكَ فَالْمَعْنَى : لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا فِي مُدَّةِ دَوَامِ قِيَامِكَ عَلَيْهِ أَيْ إِلْحَاحِكَ عَلَيْهِ . وَالدَّوَامُ حَقِيقَتُهُ اسْتِمْرَارُ الْفِعْلِ وَهُوَ هُنَا مَجَازٌ فِي طُولِ الْمُدَّةِ ، لِتَعَذُّرِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ مَعَ وُجُودِ أَدَاةِ الِاسْتِثْنَاءِ ، لِأَنَّهُ إِذَا انْتَهَى الْعُمْرُ لَمْ يَحْصُلِ الْإِلْحَاحُ بَعْدَ الْمَوْتِ .
وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مُفَرَّغًا مِنْ أَوْقَاتٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا مَوْقِعُ " مَا " وَالتَّقْدِيرُ : لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ إِلَّا زَمَانًا تَدُومُ عَلَيْهِ فِيهِ قَائِمًا . فَيَكُونُ مَا بَعْدَ " إِلَّا " نَصْبًا عَلَى الظَّرْفِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُفَرَّغًا مِنْ مَصَادِرَ يَدُلُّ عَلَيْهَا مَعْنَى " مَا " الْمَصْدَرِيَّةِ ، فَيَكُونُ مَا بَعْدَهُ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يَقَعُ حَالًا .
وَقَدَّمَ الْمَجْرُورَ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75عَلَيْهِ قَائِمًا لِلِاهْتِمَامِ بِمَعْنَى الْمَجْرُورِ ، فَفِي تَقْدِيمِهِ مَعْنَى الْإِلْحَاحِ ، أَيْ إِذَا لَمْ يَكُنْ قِيَامُكَ عَلَيْهِ لَا يُرْجِعُ لَكَ أَمَانَتَكَ .
وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَإِنَّمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ لِكَمَالِ الْعِنَايَةِ بِتَمْيِيزِهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِهَذَا الشَّأْنِ الْعَجِيبِ .
وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِ أَيْ ذَلِكَ مُسَبَّبٌ عَنْ أَقْوَالٍ اخْتَلَقُوهَا ، وَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ ، لِأَنَّ الْقَوْلَ يَصْدُرُ عَنِ الِاعْتِقَادِ ، فَلِذَا نَابَ مَنَابَهُ فَأُطْلِقَ عَلَى الظَّنِّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ .
وَأَرَادُوا بِالْأُمِّيِّينَ مَنْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الْقَدِيمِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَعْنَى الْأُمِّيِّ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
[ ص: 288 ] وَحَرْفُ " فِي " هُنَا لِلتَّعْلِيلِ . وَإِذْ قَدْ كَانَ التَّعْلِيلُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالذَّوَاتِ ، تَعَيَّنَ تَقْدِيرُ مُضَافٍ مَجْرُورٍ بِحَرْفِ " فِي " وَالتَّقْدِيرُ : فِي مُعَامَلَةِ الْأُمِّيِّينَ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي أَكْلِ حُقُوقِهِمْ حَرَجٌ وَلَا إِثْمٌ ، فَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْأُمِّيِّينَ أَيْ ذَوَاتِهِمْ مُرَادٌ مِنْهُ أَعْلَقُ أَحْوَالِهِمْ بِالْغَرَضِ الَّذِي سِيقَ لَهُ الْكَلَامُ .
فَالسَّبِيلُ هُنَا طَرِيقُ الْمُؤَاخَذَةِ ، ثُمَّ أُطْلِقَ السَّبِيلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَجَازًا مَشْهُورًا عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=93إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَرُبَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ الْعَرَبُ بِالطَّرِيقِ قَالَ
حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ :
وَهَلْ أَنَا إِنْ عَلَّلْتُ نَفْسِي بِسَرْحَةٍ مِنَ السَّرْحِ مَوْجُودٌ عَلَيَّ طَرِيقُ
وَقَصْدُهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُحَقِّرُوا الْمُسْلِمِينَ ، وَيَتَطَاوَلُوا بِمَا أُوتُوهُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَةِ مِنْ قَبْلِهِمْ . أَوْ أَرَادُوا الْأُمِّيِّينَ بِمَعْرِفَةِ التَّوْرَاةِ ، أَيِ الْجَاهِلِينَ : كِنَايَةً عَنْ كَوْنِهِمْ لَيْسُوا مِنْ أَتْبَاعِ دِينِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ .
وَأَيًّا مَا كَانَ فَقَدْ أَنْبَأَ هَذَا عَنْ خُلُقٍ عَجِيبٍ فِيهِمْ ، وَهُوَ اسْتِخْفَافُهُمْ بِحُقُوقِ الْمُخَالِفِينَ لَهُمْ فِي الدِّينِ ، وَاسْتِبَاحَةُ ظُلْمِهِمْ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْجَاهِلَ أَوِ الْأُمِّيَّ جَدِيرٌ بِأَنْ يُدْحَضَ حَقُّهُ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي جَرَّأَهُمْ عَلَى هَذَا سُوءُ فَهْمِهِمْ فِي التَّوْرَاةِ ، فَإِنَّ التَّوْرَاةَ ذَكَرَتْ أَحْكَامًا فَرَّقَتْ فِيهَا بَيْنَ الْإِسْرَائِيلِيِّ وَغَيْرِهِ فِي الْحُقُوقِ ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى الْمُؤَاسَاةِ وَالْمُخَالَطَةِ بَيْنَ الْأُمَّةِ ، فَقَدْ جَاءَ فِي سِفْرِ التَّثْنِيَةِ الْإِصْحَاحِ الْخَامِسَ عَشَرَ : فِي آخِرِ سَبْعِ سِنِينَ تَعْمَلُ إِبْرَاءً يُبْرِئُ كُلُّ صَاحِبِ دَيْنٍ يَدَهُ مِمَّا أَقْرَضَ صَاحِبَهُ . الْأَجْنَبِيَّ تُطَالِبُ ، وَأَمَّا مَا كَانَ لَكَ عِنْدَ أَخِيكَ فَتُبْرِئُهُ . وَجَاءَ فِي الْإِصْحَاحِ 23 مِنْهُ ( لَا تُقْرِضْ أَخَاكَ بِرِبَا فِضَّةٍ أَوْ رِبَا طَعَامٍ وَلِلْأَجْنَبِيِّ تُقْرِضُ بِرِبًا ) وَلَكِنْ شَتَّانَ بَيْنَ الْحُقُوقِ وَبَيْنَ الْمُؤَاسَاةِ فَإِنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا إِنَّمَا كَانَ لِقَصْدِ الْمُؤَاسَاةِ ، وَالْمُؤَاسَاةُ غَيْرُ مَفْرُوضَةٍ مَعَ غَيْرِ أَهْلِ الْمِلَّةِ الْوَاحِدَةِ . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12861ابْنِ الْكَلْبِيِّ قَالَتِ
الْيَهُودُ : الْأَمْوَالُ كُلُّهَا كَانَتْ لَنَا ، فَمَا فِي أَيْدِي الْعَرَبِ مِنْهَا فَهُوَ لَنَا ، وَإِنَّهُمْ ظَلَمُونَا وَغَصَبُونَا فَلَا إِثْمَ عَلَيْنَا فِي أَخْذِ أَمْوَالِنَا مِنْهُمْ . وَهَذَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=31931الْخُلُقَانِ الذَّمِيمَانِ اللَّذَانِ حَكَاهُمَا اللَّهُ عَنِ الْيَهُودِ قَدِ اتَّصَفَ بِهِمَا كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَاسْتَحَلَّ بَعْضُهُمْ حُقُوقَ أَهْلِ الذِّمَّةِ ، وَتَأَوَّلُوهَا بِأَنَّهُمْ صَارُوا أَهْلَ حَرْبٍ ، فِي حِينِ لَا حَرْبَ وَلَا ضَرْبَ .
[ ص: 289 ] وَقَدْ كَذَّبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الزَّعْمِ فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : إِنَّهُمُ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ وَجَدُوا ذَلِكَ فِي كِتَابِهِمْ . وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=75وَهُمْ يَعْلَمُونَ قَالَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
كَذَبَ أَعْدَاءُ اللَّهِ مَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا وَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ إِلَّا nindex.php?page=treesubj&link=32455الْأَمَانَةَ فَإِنَّهَا مُؤَدَّاةٌ إِلَى الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75وَهُمْ يَعْلَمُونَ حَالٌ أَيْ يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ إِمَّا لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ مَا قَاسُوهُ عَلَى مَا فِي كِتَابِهِمْ لَيْسَ الْقِيَاسُ فِيهِ بِصَحِيحٍ ، وَإِمَّا لِأَنَّ التَّأْوِيلَ الْبَاطِلَ بِمَنْزِلَةِ الْعِلْمِ بِالْكَذِبِ ، إِذِ الشُّبْهَةُ الضَّعِيفَةُ كَالْعَهْدِ .
وَبَلَى حَرْفُ جَوَابٍ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِإِبْطَالِ النَّفْيِ فَهُوَ هُنَا لِإِبْطَالِ قَوْلِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ .
وَبَلَى غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِجَوَابِ اسْتِفْهَامِ الْمَنْفِيِّ بَلْ يُجَابُ بِهَا عَنْ قَصْدِ الْإِبْطَالِ ، وَأَكْثَرُ مَوَاقِعِهَا فِي جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ الْمَنْفِيِّ ، وَجِيءَ فِي الْجَوَابِ بِحُكْمٍ عَامٍّ لِيَشْمَلَ الْمَقْصُودَ وَغَيْرَهُ : تَوْفِيرًا لِلْمَعْنَى ، وَقَصْدًا فِي اللَّفْظِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=76مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ أَيْ لَمْ يَخُنْ ، لِأَنَّ الْأَمَانَةَ عَهْدٌ ، وَاتَّقَى رَبَّهُ فَلَمْ يَدْحَضْ حَقَّ غَيْرِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=76فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ أَيِ الْمَوْصُوفِينَ بِالتَّقْوَى ، وَالْمَقْصُودُ نَفْيُ مَحَبَّةِ اللَّهِ عَنْ ضِدِّ الْمَذْكُورِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ .