ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة .
مناسبة هذه الآية لما قبلها أن في إبطالا للعهد ، وللحلف الذي بينهم ، وبين المسلمين ، وقريش . والكلام استئناف قصد منه ذكر الخلق الجامع لشتات مساوئ أهل الكتاب من خيانة الأمانة اليهود ، دعا إليه قوله ودت طائفة من أهل الكتاب وما بعده .
وقد جرت أمثال هذه الأوصاف على اليهود مفرقة في سورة البقرة : وأوفوا بعهدي . ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا . ما له في الآخرة من خلاق . ولا يكلمهم الله يوم [ ص: 290 ] القيامة ولا يزكيهم . فعلمنا أنهم المراد بذلك هنا . وقد بينا هنالك وجه تسمية دينهم بالعهد وبالميثاق في مواضع ، لأن موسى عاهدهم على العمل به ، وبينا معاني هذه الأوصاف والأخبار .
ومعنى ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة غضبه عليهم إذ قد شاع نفي الكلام في الكناية عن الغضب ، وشاع استعمال النظر في الإقبال والعناية ، ونفي النظر في الغضب فالنظر المنفي هنا نظر خاص . وهاتان الكنايتان يجوز معهما إرادة المعنى الحقيقي .
وقوله ولا يزكيهم أي لا يطهرهم من الذنوب ولا يقلعون عن آثامهم ، لأن من بلغ من رقة الديانة إلى حد أن يشتري بعهد الله وأيمانه ثمنا قليلا ، فقد بلغ الغاية القصوى في الجرأة على الله ، فكيف يرجى له صلاح بعد ذلك ، ويحتمل أن يكون المعنى ولا ينميهم أي لا يكثر حظوظهم في الخيرات .
وفي مجيء هذا الوعيد ، عقب الصلة ، وهي يشترون بعهد الله الآية ، إيذان بأن من شابههم في هذه الصفات فهو لاحق بهم ، حتى ظن بعض السلف أن هذه الآية نزلت فيمن حلف يمينا باطلة ، وكل يظن أنها نزلت فيما يعرفه من قصة يمين فاجرة ، ففي عن البخاري ، أبي وائل ، عن قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عبد الله بن مسعود ، لقي الله وهو عليه غضبان حلف يمين صبر ليقتطع بها مال امرئ مسلم فأنزل الله تصديق ذلك : من إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم الآية فدخل وقال : ما يحدثكم الأشعث بن قيس أبو عبد الرحمن قلنا : كذا وكذا . قال في أنزلت كانت لي بئر في أرض ابن عم لي فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الحديث . بينتك أو يمينه قلت : إذن يحلف فقال رسول الله : من حلف على يمين صبر
وفي عن البخاري ، : أن رجلا أقام سلعة في السوق فحلف لقد أعطي بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلا من المسلمين فنزلت عبد الله بن أبي أوفى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا الآية .
وفيه عن أنه قرأ هاته الآية في قصة وجبت فيها يمين لرد دعوى . ابن عباس