إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا تعليل للأمر بقيام الليل ، وقع اعتراضا بين جملة ( قم الليل ) وجملة إن ناشئة الليل هي أشد وطئا ، وهو جملة مستأنفة استئنافا بيانيا لحكمة الأمر بقيام الليل بأنها تهيئة نفس النبيء - صلى الله عليه وسلم - ليحمل شدة الوحي ، وفي هذا إيماء إلى أن الله يسر عليه ذلك كما قال تعالى إن علينا جمعه وقرآنه ، فتلك مناسبة وقوع هذه الجملة عقب جملة قم الليل إلا قليلا فهذا إشعار بأن نزول هذه الآية كان في أول عهد النبيء - صلى الله عليه وسلم - بنزول القرآن فلما قال له ورتل القرآن ترتيلا أعقب ببيان علة الأمر بترتيل القرآن .
والقول الثقيل : هو القرآن وإلقاؤه عليه : إبلاغه له بطريق الوحي بواسطة الملك .
وحقيقة الإلقاء : رمي الشيء من اليد إلى الأرض وطرحه ، ويقال : شيء لقى ، أي : مطروح ، استعير الإلقاء للإبلاغ دفعة على غير ترقب .
والثقل الموصوف به القول ثقل مجازي لا محالة ، مستعار لصعوبة حفظه لاشتماله على معان ليست من معتاد ما يجول في مدارك قومه فيكون حفظ ذلك القول عسيرا على الرسول الأمي تنوء الطاقة عن تلقيه .
وأشعر قوله إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا أن ثقله متعلق ابتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - لقوله قبله إنا سنلقي عليك وهو ثقل مجازي في جميع اعتباراته وهو ثقيل صعب تلقيه ممن أنزل عليه . قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه الوحي ثقل عليه وتربد له جلده ، أي : تغير بمثل القشعريرة ، وقالت ابن عباس عائشة : رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليرفض عرقا .
ويستعار ثقل القول لاشتماله على معان وافرة يحتاج العلم بها لدقة النظر وذلك بكمال هديه ووفرة معانيه . قال الفراء ثقيلا ليس بالكلام السفساف . وحسبك أنه حوى من المعارف والعلوم ما لا يفي العقل بالإحاطة به فكم غاصت فيه أفهام [ ص: 262 ] العلماء من فقهاء ومتكلمين وبلغاء ولغويين وحكماء فشابه الشيء الثقيل في أنه لا يقوى الواحد على الاستقلال بمعانيه .
وتأكيد هذا الخبر بحرف التأكيد للاهتمام به وإشعار الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتأكيد قربه واستمراره ، ليكون وروده أسهل عليه من ورود الأمر المفاجئ .