إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا   تعليل لتخصيص زمن الليل بالقيام فيه فهي مرتبطة بجملة ( قم الليل    ) ، أي : قم الليل ؛ لأن ناشئته أشد وطئا وأقوم قيلا . 
والمعنى : أن في قيام الليل تزكية وتصفية لسرك وارتقاء بك إلى المراقي الملكية . 
و ( ناشئة ) : وصف من النشء وهو الحدوث . وقد جرى هذا الوصف هنا على غير موصوف ، وأضيف إلى الليل إضافة على معنى في مثل ( مكر الليل ) ، وجعل من أقوم القيل ، فعلم أن فيه قولا وقد سبقه الأمر بقيام الليل وترتيل القرآن ، فتعين أن موصوفه المحذوف هو صلاة ، أي : الصلاة الناشئة في الليل ، فإن الصلاة تشتمل على أفعال وأقوال وهي قيام . 
ووصف الصلاة بالناشئة لأنها أنشأها المصلي فنشأت بعد هدأة الليل فأشبهت السحابة التي تتنشأ من الأفق بعد صحو ، وإذا كانت الصلاة بعد نوم فمعنى النشء فيها أقوى ، ولذلك فسرتها عائشة  بالقيام بعد النوم . وفسر  ابن عباس  ناشئة الليل  بصلاة الليل كلها   . واختاره مالك    . وعن علي بن الحسين    : أنها ما بين المغرب والعشاء . وعن  ابن مسعود   وابن عباس   وسعيد بن جبير    : أن أصل هذا معرب عن الحبشة ،  وقد عدها السبكي  في منظومته في معربات القرآن . 
وإيثار لفظ ( ناشئة ) في هذه الآية دون غيره من نحو : قيام ، أو تهجد ، لأجل ما يحتمله من هذه المعاني ليأخذ الناس فيه بالاجتهاد . 
وقرأ جمهور العشرة ( وطئا ) بفتح الواو وسكون الطاء بعدها همزة ، والوطء : أصله وضع الرجل على الأرض ، وهو هنا مستعار لمعنى يناسب أن يكون شأنا للظلام بالليل ، فيجوز أن يكون الوطء استعير لفعل من أفعال المصلي على نحو إسناد المصدر إلى فاعله ، أي : واطئا أنت ، فهو مستعار لتمكن المصلي من الصلاة   [ ص: 263 ] في الليل بتفرغه لها وهدوء باله من الأشغال النهارية تمكن الواطئ على الأرض فهو أمكن للفعل . والمعنى : أشد وقعا ، وبهذا فسره  جابر بن زيد  والضحاك  وقاله الفراء    . 
ويجوز أن يكون الوطء مستعارا لحالة صلاة الليل وأثرها في المصلي ، أي : أشد أثر خير في نفسه وأرسخ خيرا وثوابا ، وبهذا فسره قتادة    . 
وقرأه ابن عامر  وأبو عمرو  وحده ( وطاء ) بكسر الواو وفتح الطاء ومدها مصدر ( واطأ ) من مادة الفعال . والوطاء : الوفاق والملاءمة ، قال تعالى ليواطئوا عدة ما حرم الله    . والمعنى : أن صلاة الليل أوفق بالمصلي بين اللسان والقلب ، أي : بين النطق بالألفاظ وتفهم معانيها للهدوء الذي يحصل في الليل وانقطاع الشواغل وبحاصل هذا فسر مجاهد    . 
وضمير ( هي ) ضمير فصل ، وانظر ما سيأتي عند قوله تعالى وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا  في وقوع ضمير الفصل بين معرفة واسم تفضيل . وضمير الفصل هنا لتقوية الحكم لا للحصر . 
والأقوم : الأفضل في التقوي الذي هو عدم الاعوجاج والالتواء واستعير ( أقوم ) للأفضل الأنفع . 
وقيلا : القول ، وأريد به قراءة القرآن لتقدم قوله إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا    . فالمعنى : أن صلاة الليل أعون على تذكر القرآن والسلامة من نسيان بعض الآيات ، وأعون على المزيد من التدبر . قال  ابن عباس  وأقوم قيلا : أدنى من أن يفقهوا القرآن   . وقال قتادة    : أحفظ للقراءة ، وقال ابن زيد    : أقوم قراءة لفراغه من الدنيا . 
وانتصب ( وطئا ) و ( قيلا ) نسبة تمييزي لـ ( أشد ) ، ولـ ( أقوم ) . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					