nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48nindex.php?page=treesubj&link=28975_28675إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما .
يجوز أن تكون هذه الجملة متعلقة بما قبلها من تهديد
اليهود بعقاب في الدنيا ، فالكلام مسوق لترغيب
اليهود في الإسلام ، وإعلامهم بأنهم بحيث يتجاوز الله عنهم عند حصول إيمانهم ، ولو كان عذاب الطمس نازلا عليهم ، فالمراد بالغفران التجاوز في الدنيا عن المؤاخذة لهم بعظم كفرهم وذنوبهم ، أي برفع العذاب عنهم . وتتضمن الآية تهديدا للمشركين بعذاب الدنيا يحل بهم فلا ينفعهم الإيمان بعد حلول العذاب ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس الآية . وعلى هذا الوجه يكون حرف " أن " في موقع التعليل والتسبب ، أي آمنوا بالقرآن من قبل أن ينزل بكم العذاب ، لأن الله يغفر ما دون الإشراك به ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=33وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ، أي ليعذبهم عذاب الدنيا ، ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=34وما لهم ألا يعذبهم الله ، أي في الدنيا ، وهو عذاب الجوع والسيف . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=10فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم ، أي دخان عام المجاعة في
قريش . ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=15إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=16يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون أي بطشة يوم
بدر ; أو يكون المراد بالغفران التسامح ، فإن الإسلام قبل من أهل الكتابين الدخول تحت ذمة الإسلام دون الدخول في دين الإسلام ، وذلك حكم الجزية ، ولم يرض من المشركين إلا بالإيمان دون الجزية ، لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم إلى قوله
[ ص: 81 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم . وقال في شأن أهل الكتاب
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون .
ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة ، وقعت اعتراضا بين قوارع أهل الكتاب ومواعظهم ، فيكون حرف " إن " لتوكيد الخبر لقصد دفع احتمال المجاز أو المبالغة في الوعيد ، وهو إما تمهيد لما بعده لتشنيع جرم الشرك بالله ليكون تمهيدا لتشنيع حال الذين فضلوا الشرك على الإيمان ، وإظهارا لمقدار التعجيب من شأنهم الآتي في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=51ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ، أي فكيف ترضون بحال من لا يرضى الله عنه . والمغفرة على هذا الوجه يصح حملها على معنى التجاوز الدنيوي ، وعلى معنى التجاوز في الآخرة على وجه الإجمال .
وإما أن يكون استئناف تعليم حكم في مغفرة ذنوب العصاة : ابتدئ بمحكم وهو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48لا يغفر أن يشرك به ، وذيل بمتشابه وهو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ; فالمغفرة مراد منها التجاوز في الآخرة . قال
القرطبي فهذا من المتشابه الذي تكلم العلماء فيه وهو يريد أن ظاهرها يقتضي أمورا مشكلة : الأول : أنه يقتضي أن الله قد يغفر الكفر الذي ليس بشرك ككفر
اليهود .
الثاني : أنه يغفر لمرتكب الذنوب ولو لم يتب .
الثالث : أنه قد لا يغفر للكافر بعد إيمانه وللمذنب بعد توبته ، لأنه وكل الغفران إلى المشيئة ، وهي تلاقي الوقوع والانتفاء . وكل هذه الثلاثة قد جاءت الأدلة المتظافرة على خلافها ، واتفقت الأمة على مخالفة ظاهرها ، فكانت الآية من المتشابه عند جميع المسلمين . قال
ابن عطية : وهذه الآية هي الحاكمة ببيان ما تعارض من آيات الوعد والوعيد . وتلخيص الكلام فيها أن يقال : الناس أربعة أصناف : كافر مات على كفره ، فهذا مخلد في النار بإجماع ، ومؤمن محسن لم يذنب قط ومات على ذلك فهو في الجنة محتوم عليه حسب الوعد من الله بإجماع ، وتائب مات على توبته فهذا عند أهل السنة وجمهور فقهاء الأمة لاحق بالمؤمن المحسن ، ومذنب مات قبل توبته فهذا هو موضع
[ ص: 82 ] الخلاف : فقالت
المرجئة : هو في الجنة بإيمانه ولا تضره سيئاته ، وجعلوا آيات الوعيد كلها مخصصة بالكفار وآيات الوعد عامة في المؤمنين ; وقالت
المعتزلة : إذا كان صاحب كبيرة فهو في النار لا محالة ، وقالت
الخوارج : إذا كان صاحب كبيرة أو صغيرة فهو في النار مخلد ولا إيمان له ، وجعلوا آيات الوعد كلها مخصصة بالمؤمن المحسن والمؤمن التائب ، وجعلوا آيات الوعيد عامة في العصاة كفارا أو مؤمنين ، وقال أهل السنة : آيات الوعد ظاهرة العموم ولا يصح نفوذ كلها لوجهه بسبب تعارضها كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=15لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=23ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم ، فلا بد أن نقول : إن آيات الوعد لفظها لفظ العموم ، والمراد به الخصوص : في المؤمن المحسن ، وفيمن سبق في علم الله تعالى العفو عنه دون تعذيب من العصاة ، وأن آيات الوعيد لفظها عموم والمراد به الخصوص في الكفرة ، وفيمن سبق علمه تعالى أنه يعذبه من العصاة . وآية
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إن الله لا يغفر أن يشرك به جلت الشك وذلك أن قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48ويغفر ما دون ذلك مبطل
للمعتزلة ، وقوله : لمن يشاء رادا على
المرجئة دال على أن غفران ما دون الشرك لقوم دون قوم ، ولعله بنى كلامه على تأويل الشرك به بما يشمل الكفر كله ، أو بناه على أن
اليهود أشركوا فقالوا :
عزير ابن الله ،
والنصارى أشركوا فقالوا :
المسيح ابن الله ، وهو تأويل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فيما نسبه إليه
فخر الدين ، وهو تأويل بعيد . فالإشراك له معناه في الشريعة ، والكفر دونه له معناه .
والمعتزلة تأولوا الآية بما أشار إليه في الكشاف : بأن قوله ( لمن يشاء ) معمول يتنازعه ( لا يغفر ) المنفي ويغفر المثبت . وتحقيق كلامه أن يكون المعنى عليه : إن الله لا يغفر الشرك لمن يشاء ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء ، ويصير معنى لا يغفر لمن يشاء أنه لا يشاء المغفرة له إذ لو شاء المغفرة له لغفر له ، لأن مشيئة الله الممكن لا يمنعها شيء ، وهي لا تتعلق بالمستحيل ، فلما قال ( لا يغفر ) علمنا أن ( من يشاء ) معناه لا يشاء أن يغفر ، فيكون الكلام من قبيل الكناية ، مثل قولهم : لا أعرفنك تفعل كذا ، أي لا تفعل فأعرفك فاعلا ، وهذا التأويل تعسف بين .
وأحسب أن تأويل
الخوارج قريب من هذا . وأما
المرجئة فتأولوا بما نقله عنهم
ابن عطية : أن مفعول ( من يشاء ) محذوف دل عليه قوله : أن يشرك به ، أي ويغفر ما دون
[ ص: 83 ] الشرك لمن يشاء الإيمان ، أي لمن آمن ، وهي تعسفات تكره القرآن على خدمة مذاهبهم . وعندي أن هذه الآية ، إن كانت مرادا بها الإعلام بأحوال مغفرة الذنوب فهي آية اقتصر فيها على بيان المقصود ، وهو تهويل شأن الإشراك ، وأجمل ما عداه إجمالا عجيبا ، بأن أدخلت صوره كلها في قوله ( لمن يشاء ) المقتضي مغفرة لفريق مبهم ومؤاخذة لفريق مبهم . والحوالة في بيان هذا المجمل على الأدلة الأخرى المستقراة من الكتاب والسنة ، ولو كانت هذه الآية مما نزل في أول البعثة لأمكن أن يقال : إن ما بعدها من الآيات نسخ ما تضمنته ، ولا يهولنا أنها خبر لأنها خبر مقصود منه حكم تكليفي ، ولكنها نزلت بعد معظم القرآن ، فتعين أنها تنظر إلى كل ما تقدمها ، وبذلك يستغني جميع طوائف المسلمين عن التعسف في تأويلها كل بما يساعد نحلته ، وتصبح صالحة لمحامل الجميع ، والمرجع في تأويلها إلى الأدلة المبينة ، وعلى هذا يتعين حمل الإشراك بما يشمل
اليهودية والنصرانية ، ولعله نظر فيه إلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في تحريم تزوج
اليهودية والنصرانية بأنهما مشركتان . وقال : أي شرك أعظم من أن يدعى لله ابن .
وأدلة الشريعة صريحة في اختلاف مفهوم هذين الوصفين ، وكون طائفة من
اليهود قالوا :
عزير ابن الله ،
والنصارى قالوا :
المسيح ابن الله ، لا يقتضي جعلهم مشركين إذ لم يدعوا مع ذلك لهذين إلهية تشارك الله تعالى ، واختلاف الأحكام التكليفية بين الكفرين دليل على أن لا يراد بهذا اللفظ مفهوم مطلق الكفر ، على أنه ماذا يغني هذا التأويل إذا كان بعض الكفرة لا يقول بإلهية غير الله مثل معظم
اليهود .
وقد اتفق المسلمون كلهم على أن
nindex.php?page=treesubj&link=19711التوبة من الكفر ، أي الإيمان ، يوجب مغفرته سواء كان كفر إشراك أم كفرا بالإسلام ، لا شك في ذلك ، إما بوعد الله عند أهل السنة ، أو بالوجوب العقلي عند
المعتزلة ; وأن الموت على الكفر مطلقا لا يغفر بلا شك ، إما بوعيد الله ، أو بالوجوب العقلي ; وأن المذنب إذا تاب يغفر ذنبه قطعا ، إما بوعد الله أو بالوجوب العقلي . واختلف في
nindex.php?page=treesubj&link=19709المذنب إذا مات على ذنبه ولم يتب أو لم يكن له من الحسنات ما يغطي على ذنوبه ، فقال أهل السنة : يعاقب ولا يخلد في العذاب بنص الشريعة ، لا بالوجوب ، وهو معنى المشيئة ، فقد شاء الله ذلك وعرفنا مشيئته بأدلة الكتاب والسنة .
[ ص: 84 ] وقال
المعتزلة والخوارج : هو في النار خالدا بالوجوب العقلي ، وقال
المرجئة : لا يعاقب بحال ، وكل هاته الأقسام داخل في إجمال ( لمن يشاء ) .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما زيادة في تشنيع حال الشرك . والافتراء : الكذب الذي لا شبهة للكاذب فيه ، لأنه مشتق من الفري وهو قطع الجلد . وهذا مثل ما أطلقوا عليه لفظ الاختلاق من الخلق . وهو قطع الجلد ، وتقدم عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=47قال كذلك الله يخلق ما يشاء في سورة آل عمران . والإثم العظيم : الفاحشة الشديدة .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48nindex.php?page=treesubj&link=28975_28675إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا .
يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُتَعَلِّقَةً بِمَا قَبْلَهَا مِنْ تَهْدِيدِ
الْيَهُودِ بِعِقَابٍ فِي الدُّنْيَا ، فَالْكَلَامُ مَسُوقٌ لِتَرْغِيبِ
الْيَهُودِ فِي الْإِسْلَامِ ، وَإِعْلَامِهِمْ بِأَنَّهُمْ بِحَيْثُ يَتَجَاوَزُ اللَّهُ عَنْهُمْ عِنْدَ حُصُولِ إِيمَانِهِمْ ، وَلَوْ كَانَ عَذَابُ الطَّمْسِ نَازِلًا عَلَيْهِمْ ، فَالْمُرَادُ بِالْغُفْرَانِ التَّجَاوُزُ فِي الدُّنْيَا عَنِ الْمُؤَاخَذَةِ لَهُمْ بِعِظَمِ كُفْرِهِمْ وَذُنُوبِهِمْ ، أَيْ بِرَفْعِ الْعَذَابَ عَنْهُمْ . وَتَتَضَمَّنُ الْآيَةُ تَهْدِيدًا لِلْمُشْرِكِينَ بِعَذَابِ الدُّنْيَا يَحِلُّ بِهِمْ فَلَا يَنْفَعُهُمُ الْإِيمَانُ بَعْدَ حُلُولِ الْعَذَابِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ الْآيَةَ . وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ حَرْفُ " أَنْ " فِي مَوْقِعِ التَّعْلِيلِ وَالتَّسَبُّبِ ، أَيْ آمِنُوا بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْزِلَ بِكُمُ الْعَذَابُ ، لِأَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ مَا دُونُ الْإِشْرَاكِ بِهِ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=33وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ، أَيْ لِيُعَذِّبَهُمْ عَذَابَ الدُّنْيَا ، ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=34وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ ، أَيْ فِي الدُّنْيَا ، وَهُوَ عَذَابُ الْجُوعِ وَالسَّيْفِ . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=10فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ، أَيْ دُخَانُ عَامِ الْمَجَاعَةِ فِي
قُرَيْشٍ . ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=15إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=16يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ أَيْ بَطْشَةُ يَوْمِ
بَدْرٍ ; أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْغُفْرَانِ التَّسَامُحَ ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ قَبِلَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ الدُّخُولَ تَحْتَ ذِمَّةِ الْإِسْلَامِ دُونَ الدُّخُولِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ ، وَذَلِكَ حُكْمُ الْجِزْيَةِ ، وَلَمْ يَرْضَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَّا بِالْإِيمَانِ دُونَ الْجِزْيَةِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ إِلَى قَوْلِهِ
[ ص: 81 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ . وَقَالَ فِي شَأْنِ أَهْلِ الْكِتَابِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً ، وَقَعَتِ اعْتِرَاضًا بَيْنَ قَوَارِعِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَوَاعِظِهِمْ ، فَيَكُونُ حَرْفُ " إِنَّ " لِتَوْكِيدِ الْخَبَرِ لِقَصْدِ دَفْعِ احْتِمَالِ الْمَجَازِ أَوِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْوَعِيدِ ، وَهُوَ إِمَّا تَمْهِيدٌ لِمَا بَعْدَهُ لِتَشْنِيعِ جُرْمِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ لِيَكُونَ تَمْهِيدًا لِتَشْنِيعِ حَالِ الَّذِينَ فَضَّلُوا الشِّرْكَ عَلَى الْإِيمَانِ ، وَإِظْهَارًا لِمِقْدَارِ التَّعْجِيبِ مِنْ شَأْنِهِمُ الْآتِي فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=51أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا ، أَيْ فَكَيْفَ تَرْضَوْنَ بِحَالِ مَنْ لَا يَرْضَى اللَّهُ عَنْهُ . وَالْمَغْفِرَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَصِحُّ حَمْلُهَا عَلَى مَعْنَى التَّجَاوُزِ الدُّنْيَوِيِّ ، وَعَلَى مَعْنَى التَّجَاوُزِ فِي الْآخِرَةِ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ .
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافَ تَعْلِيمِ حِكَمٍ فِي مَغْفِرَةِ ذُنُوبِ الْعُصَاةِ : ابْتُدِئَ بِمُحْكَمٍ وَهُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ، وَذُيِّلَ بِمُتَشَابِهٍ وَهُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ; فَالْمَغْفِرَةُ مُرَادٌ مِنْهَا التَّجَاوُزُ فِي الْآخِرَةِ . قَالَ
الْقُرْطُبِيُّ فَهَذَا مِنَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنَّ ظَاهِرَهَا يَقْتَضِي أُمُورًا مُشْكَلَةً : الْأَوَّلُ : أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّهَ قَدْ يَغْفِرُ الْكُفْرَ الَّذِي لَيْسَ بِشِرْكٍ كَكُفْرِ
الْيَهُودِ .
الثَّانِي : أَنَّهُ يَغْفِرُ لِمُرْتَكِبِ الذُّنُوبِ وَلَوْ لَمْ يَتُبْ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ قَدْ لَا يَغْفِرُ لِلْكَافِرِ بَعْدَ إِيمَانِهِ وَلِلْمُذْنِبِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ ، لِأَنَّهُ وَكَّلَ الْغُفْرَانَ إِلَى الْمَشِيئَةِ ، وَهِيَ تُلَاقِي الْوُقُوعَ وَالِانْتِفَاءَ . وَكُلُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ قَدْ جَاءَتِ الْأَدِلَّةُ الْمُتَظَافِرَةُ عَلَى خِلَافِهَا ، وَاتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى مُخَالَفَةِ ظَاهِرِهَا ، فَكَانَتِ الْآيَةُ مِنَ الْمُتَشَابِهِ عِنْدَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهَذِهِ الْآيَةُ هِيَ الْحَاكِمَةُ بِبَيَانِ مَا تَعَارَضَ مِنْ آيَاتِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ . وَتَلْخِيصُ الْكَلَامِ فِيهَا أَنْ يُقَالَ : النَّاسُ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ : كَافِرٌ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ ، فَهَذَا مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ بِإِجْمَاعٍ ، وَمُؤْمِنٌ مُحْسِنٌ لَمْ يُذْنِبْ قَطُّ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ مَحْتُومٌ عَلَيْهِ حَسَبَ الْوَعْدِ مِنَ اللَّهِ بِإِجْمَاعٍ ، وَتَائِبٌ مَاتَ عَلَى تَوْبَتِهِ فَهَذَا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَجُمْهُورِ فُقَهَاءِ الْأُمَّةِ لَاحِقٌ بِالْمُؤْمِنِ الْمُحْسِنِ ، وَمُذْنِبٌ مَاتَ قَبْلَ تَوْبَتِهِ فَهَذَا هُوَ مَوْضِعُ
[ ص: 82 ] الْخِلَافِ : فَقَالَتِ
الْمُرْجِئَةُ : هُوَ فِي الْجَنَّةِ بِإِيمَانِهِ وَلَا تَضُرُّهُ سَيِّئَاتُهُ ، وَجَعَلُوا آيَاتِ الْوَعِيدِ كُلَّهَا مُخَصَّصَةً بِالْكُفَّارِ وَآيَاتِ الْوَعْدِ عَامَّةً فِي الْمُؤْمِنِينَ ; وَقَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : إِذَا كَانَ صَاحِبَ كَبِيرَةٍ فَهُوَ فِي النَّارِ لَا مَحَالَةَ ، وَقَالَتِ
الْخَوَارِجُ : إِذَا كَانَ صَاحِبَ كَبِيرَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ فَهُوَ فِي النَّارِ مُخَلَّدٌ وَلَا إِيمَانَ لَهُ ، وَجَعَلُوا آيَاتِ الْوَعْدِ كُلَّهَا مُخَصَّصَةً بِالْمُؤْمِنِ الْمُحْسِنِ وَالْمُؤْمِنِ التَّائِبِ ، وَجَعَلُوا آيَاتِ الْوَعِيدِ عَامَّةً فِي الْعُصَاةِ كُفَّارًا أَوْ مُؤْمِنِينَ ، وَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ : آيَاتُ الْوَعْدِ ظَاهِرَةُ الْعُمُومِ وَلَا يَصِحُّ نُفُوذُ كُلِّهَا لِوَجْهِهِ بِسَبَبِ تَعَارُضِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=15لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=23وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ ، فَلَا بُدَّ أَنْ نَقُولَ : إِنَّ آيَاتِ الْوَعْدِ لَفْظُهَا لَفْظُ الْعُمُومِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ : فِي الْمُؤْمِنِ الْمُحْسِنِ ، وَفِيمَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى الْعَفْوُ عَنْهُ دُونَ تَعْذِيبٍ مِنَ الْعُصَاةِ ، وَأَنَّ آيَاتِ الْوَعِيدِ لَفْظُهَا عُمُومٌ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ فِي الْكَفَرَةِ ، وَفِيمَنْ سَبَقَ عِلْمُهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُعَذِّبُهُ مِنَ الْعُصَاةِ . وَآيَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ جَلَتِ الشَّكَّ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ مُبْطِلٌ
لِلْمُعْتَزِلَةِ ، وَقَوْلَهُ : لِمَنْ يَشَاءُ رَادًّا عَلَى
الْمُرْجِئَةِ دَالٌّ عَلَى أَنَّ غُفْرَانَ مَا دُونُ الشِّرْكِ لِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ ، وَلَعَلَّهُ بَنَى كَلَامَهُ عَلَى تَأْوِيلِ الشِّرْكِ بِهِ بِمَا يَشْمَلُ الْكُفْرَ كُلَّهُ ، أَوْ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ
الْيَهُودَ أَشْرَكُوا فَقَالُوا :
عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ،
وَالنَّصَارَى أَشْرَكُوا فَقَالُوا :
الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ، وَهُوَ تَأْوِيلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ فِيمَا نَسَبَهُ إِلَيْهِ
فَخْرُ الدِّينِ ، وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ . فَالْإِشْرَاكُ لَهُ مَعْنَاهُ فِي الشَّرِيعَةِ ، وَالْكَفْرُ دُونَهُ لَهُ مَعْنَاهُ .
وَالْمُعْتَزِلَةُ تَأَوَّلُوا الْآيَةَ بِمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْكَشَّافِ : بِأَنَّ قَوْلَهُ ( لِمَنْ يَشَاءُ ) مَعْمُولٌ يَتَنَازَعُهُ ( لَا يَغْفِرُ ) الْمَنْفِيُّ وَيَغْفِرُ الْمُثْبِتُ . وَتَحْقِيقُ كَلَامِهِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى عَلَيْهِ : إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ الشِّرْكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ الشِّرْكِ لِمَنْ يَشَاءُ ، وَيَصِيرُ مَعْنَى لَا يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ أَنَّهُ لَا يَشَاءُ الْمَغْفِرَةَ لَهُ إِذْ لَوْ شَاءَ الْمَغْفِرَةَ لَهُ لَغَفَرَ لَهُ ، لِأَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ الْمُمْكِنَ لَا يَمْنَعُهَا شَيْءٌ ، وَهِيَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَحِيلِ ، فَلَمَّا قَالَ ( لَا يَغْفِرُ ) عَلِمْنَا أَنَّ ( مَنْ يَشَاءُ ) مَعْنَاهُ لَا يَشَاءُ أَنْ يَغْفِرَ ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ مِنْ قَبِيلِ الْكِنَايَةِ ، مِثْلَ قَوْلِهِمْ : لَا أَعْرِفَنَّكَ تَفْعَلُ كَذَا ، أَيْ لَا تَفْعَلْ فَأَعْرِفُكَ فَاعِلًا ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ تَعَسُّفٌ بَيِّنٌ .
وَأَحْسَبُ أَنَّ تَأْوِيلَ
الْخَوَارِجِ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا . وَأَمَّا
الْمُرْجِئَةُ فَتَأَوَّلُوا بِمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ
ابْنُ عَطِيَّةَ : أَنَّ مَفْعُولَ ( مَنْ يَشَاءُ ) مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ : أَنْ يُشْرِكَ بِهِ ، أَيْ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ
[ ص: 83 ] الشِّرْكِ لِمَنْ يَشَاءُ الْإِيمَانَ ، أَيْ لِمَنْ آمَنَ ، وَهِيَ تَعَسُّفَاتٌ تُكْرِهُ الْقُرْآنَ عَلَى خِدْمَةِ مَذَاهِبِهِمْ . وَعِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ ، إِنْ كَانَتْ مُرَادًا بِهَا الْإِعْلَامُ بِأَحْوَالِ مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ فَهِيَ آيَةٌ اقْتُصِرَ فِيهَا عَلَى بَيَانِ الْمَقْصُودِ ، وَهُوَ تَهْوِيلُ شَأْنِ الْإِشْرَاكِ ، وَأُجْمِلَ مَا عَدَاهُ إِجْمَالًا عَجِيبًا ، بِأَنْ أُدْخِلَتْ صُوَرُهُ كُلُّهَا فِي قَوْلِهِ ( لِمَنْ يَشَاءُ ) الْمُقْتَضِي مَغْفِرَةً لِفَرِيقٍ مُبْهَمٍ وَمُؤَاخَذَةً لِفَرِيقٍ مُبْهَمٍ . وَالْحِوَالَةُ فِي بَيَانِ هَذَا الْمُجْمَلِ عَلَى الْأَدِلَّةِ الْأُخْرَى الْمُسْتَقْرَاةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِمَّا نَزَلَ فِي أَوَّلِ الْبِعْثَةِ لَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ مَا بَعْدَهَا مِنَ الْآيَاتِ نَسَخَ مَا تَضَمَّنَتْهُ ، وَلَا يَهُولُنَا أَنَّهَا خَبَرٌ لِأَنَّهَا خَبَرٌ مَقْصُودٌ مِنْهُ حُكْمٌ تَكْلِيفِيٌّ ، وَلَكِنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ مُعْظَمِ الْقُرْآنِ ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهَا تَنْظُرُ إِلَى كُلِّ مَا تَقَدَّمَهَا ، وَبِذَلِكَ يَسْتَغْنِي جَمِيعُ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ التَّعَسُّفِ فِي تَأْوِيلِهَا كُلٌّ بِمَا يُسَاعِدُ نِحْلَتَهُ ، وَتُصْبِحُ صَالِحَةً لِمَحَامِلِ الْجَمِيعِ ، وَالْمَرْجِعُ فِي تَأْوِيلِهَا إِلَى الْأَدِلَّةِ الْمُبَيِّنَةِ ، وَعَلَى هَذَا يَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْإِشْرَاكِ بِمَا يَشْمَلُ
الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ ، وَلَعَلَّهُ نَظَرَ فِيهِ إِلَى قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ فِي تَحْرِيمِ تَزَوُّجِ
الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ بِأَنَّهُمَا مُشْرِكَتَانِ . وَقَالَ : أَيُّ شِرْكٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُدْعَى لِلَّهِ ابْنٌ .
وَأَدِلَّةُ الشَّرِيعَةِ صَرِيحَةٌ فِي اخْتِلَافِ مَفْهُومِ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ ، وَكَوْنُ طَائِفَةٍ مِنَ
الْيَهُودِ قَالُوا :
عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ،
وَالنَّصَارَى قَالُوا :
الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ، لَا يَقْتَضِي جَعْلَهُمْ مُشْرِكِينَ إِذْ لَمْ يَدَّعُوَا مَعَ ذَلِكَ لِهَذَيْنِ إِلَهِيَّةً تُشَارِكُ اللَّهَ تَعَالَى ، وَاخْتِلَافُ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ بَيْنَ الْكُفْرَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَا يُرَادَ بِهَذَا اللَّفْظِ مَفْهُومُ مُطْلَقِ الْكُفْرِ ، عَلَى أَنَّهُ مَاذَا يُغْنِي هَذَا التَّأْوِيلُ إِذَا كَانَ بَعْضُ الْكَفَرَةِ لَا يَقُولُ بِإِلَهِيَّةِ غَيْرِ اللَّهِ مِثْلَ مُعْظَمِ
الْيَهُودِ .
وَقَدِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19711التَّوْبَةَ مِنَ الْكُفْرِ ، أَيِ الْإِيمَانَ ، يُوجِبُ مَغْفِرَتَهُ سَوَاءٌ كَانَ كُفْرَ إِشْرَاكٍ أَمْ كُفْرًا بِالْإِسْلَامِ ، لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ ، إِمَّا بِوَعْدِ اللَّهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ ، أَوْ بِالْوُجُوبِ الْعَقْلِيِّ عِنْدَ
الْمُعْتَزِلَةِ ; وَأَنَّ الْمَوْتَ عَلَى الْكُفْرِ مُطْلَقًا لَا يُغْفَرُ بِلَا شَكٍّ ، إِمَّا بِوَعِيدِ اللَّهِ ، أَوْ بِالْوُجُوبِ الْعَقْلِيِّ ; وَأَنَّ الْمُذْنِبَ إِذَا تَابَ يُغْفَرُ ذَنْبُهُ قَطْعًا ، إِمَّا بِوَعْدِ اللَّهِ أَوْ بِالْوُجُوبِ الْعَقْلِيِّ . وَاخْتُلِفَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=19709الْمُذْنِبِ إِذَا مَاتَ عَلَى ذَنْبِهِ وَلَمْ يَتُبْ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ مَا يُغَطِّي عَلَى ذُنُوبِهِ ، فَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ : يُعَاقَبُ وَلَا يُخَلَّدُ فِي الْعَذَابِ بِنَصِّ الشَّرِيعَةِ ، لَا بِالْوُجُوبِ ، وَهُوَ مَعْنَى الْمَشِيئَةِ ، فَقَدْ شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ وَعَرَّفَنَا مَشِيئَتَهُ بِأَدِلَّةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .
[ ص: 84 ] وَقَالَ
الْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ : هُوَ فِي النَّارِ خَالِدًا بِالْوُجُوبِ الْعَقْلِيِّ ، وَقَالَ
الْمُرْجِئَةُ : لَا يُعَاقَبُ بِحَالٍ ، وَكُلُّ هَاتِهِ الْأَقْسَامِ دَاخِلٌ فِي إِجْمَالِ ( لِمَنْ يَشَاءُ ) .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا زِيَادَةٌ فِي تَشْنِيعِ حَالِ الشِّرْكِ . وَالِافْتِرَاءُ : الْكَذِبُ الَّذِي لَا شُبْهَةَ لِلْكَاذِبِ فِيهِ ، لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْفَرْيِ وَهُوَ قَطْعُ الْجِلْدِ . وَهَذَا مِثْلُ مَا أَطْلَقُوا عَلَيْهِ لَفْظَ الِاخْتِلَاقِ مِنَ الْخَلْقِ . وَهُوَ قَطْعُ الْجِلْدِ ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=47قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ . وَالْإِثْمُ الْعَظِيمُ : الْفَاحِشَةُ الشَّدِيدَةُ .