( أم ) للإضراب الانتقالي ، وهي تؤذن بهمزة استفهام محذوفة بعدها ، أي : بل ألهم نصيب من الملك فلا يؤتون الناس نقيرا .
والاستفهام إنكاري حكمه حكم النفي . والعطف بالفاء على جملة لهم نصيب ، وكذلك " إذن " هي جزاء لجملة لهم نصيب ، واعتبر الاستفهام داخلا على مجموع الجملة وجزائها معا ، لأنهم ينتفي إعطاؤهم الناس نقيرا على تقدير ثبوت الملك لهم لا على انتفائه . وهذا الكلام تهكم عليهم في انتظارهم أن يرجع إليهم ملك إسرائيل ، وتسجيل عليهم بالبخل الذي لا يؤاتي من يرجون الملك . كما قال : أبو الفتح البستي
إذا ملك لم يكن ذا هبه فدعه فدولته ذاهبـه
وشحهم وبخلهم معروف مشهور .والنقير : شكلة في النواة كالدائرة ، يضرب بها المثل في القلة .
لذلك عقب هذا الكلام بقوله : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله .
والاستفهام المقدر بعد ( أم ) هذه إنكار على حسدهم ، وليس مفيدا لنفي الحسد لأنه واقع . والمراد بالناس النبيء - صلى الله عليه وسلم - ، والفضل النبوة ، أو المراد به النبيء والمؤمنون ، والفضل الهدى والإيمان .
وقوله : فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب عطف على مقدر من معنى الاستفهام الإنكاري ، وتوجيها للإنكار عليهم ، أي فلا بدع فيما حسدوه إذ قد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة والملك .
و آل إبراهيم : أبناؤه وعقبه ونسله ، وهو داخل في الحكم لأنهم إنما أعطوه لأجل كرامته عند الله ووعد الله إياه بذلك . وتعريف الكتاب تعريف الجنس ، فيصدق [ ص: 89 ] بالمتعدد ، فيشمل صحف إبراهيم ، وصحف موسى ، وما أنزل بعد ذلك . والحكمة : النبوة . والملك : هو ما وعد الله به إبراهيم أن يعطيه ذريته وما آتى الله داود وسليمان وملوك إسرائيل . وضمير " منهم " يجوز أن يعود إلى ما عاد إليه ضمير " يحسدون " . وضمير " به " يعود إلى الناس المراد منه محمد - صلى الله عليه وسلم - : أي فمن الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من آمن بمحمد ، ومنهم من أعرض . والتفريع في قوله ( فمنهم ) على هذا التفسير ناشئ على قوله : أم يحسدون الناس . ويجوز أن يعود ضمير " فمنهم " إلى آل إبراهيم ، وضمير " به " إلى إبراهيم ، أي فقد آتيناهم ما ذكر . ومن " آله " من آمن به ، ومنهم من كفر مثل أبيه آزر ، وامرأة ابن أخيه لوط ، أي فليس تكذيب اليهود محمدا بأعجب من ذلك ، سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ليكون قد حصل الاحتجاج عليهم في الأمرين في إبطال مستند تكذيبهم ، بإثبات أن إتيان النبوة ليس ببدع ، وأن محمدا من آل إبراهيم ، فليس إرساله بأعجب من إرسال موسى . وفي تذكيرهم بأن هذه سنة الأنبياء حتى لا يعدوا تكذيبهم محمدا - صلى الله عليه وسلم - ثلمة في نبوته ، إذ لا يعرف رسول أجمع أهل دعوته على تصديقه من إبراهيم فمن بعده .
قوله : وكفى بجهنم سعيرا تهديد ووعيد للذين يؤمنون بالجبت والطاغوت . وتفسير هذا التركيب تقدم في قوله تعالى : وكفى بالله وليا من هذه السورة .