[ ص: 3 ] سورة الفرقان .
تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه قوله تعالى : نزل الفرقان ، وهو هذا القرآن العظيم على عبده ، وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - ; لأجل أن يكون للعالمين نذيرا أي : منذرا ، وقد قدمنا مرارا أن الإنذار هو الإعلام المقترن بتهديد وتخويف ، وأن كل إنذار إعلام ، وليس كل إعلام إنذارا ، كما أوضحناه في أول سورة " الأعراف " .
وهذه الآية الكريمة تدل على للأسود والأحمر والجن والإنس ، لدخول الجميع في قوله تعالى : عموم رسالته - صلى الله عليه وسلم - للعالمين نذيرا .
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحا في آيات أخر ; كقوله تعالى : قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ، وقوله تعالى : وما أرسلناك إلا كافة للناس [ 7 \ 158 ] أي : أرسلناك للناس كافة ، أي : جميعا . وقوله تعالى : قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ [ 6 \ 19 ] وقوله تعالى : يامعشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان فبأي آلاء ربكما تكذبان [ 55 \ 33 - 43 ] وقوله تعالى : وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا ياقومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ياقومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض الآية [ 46 \ 29 - 32 ] . وفي معنى قوله تعالى : تبارك أقوال لأهل العلم ، قال القرطبي : تبارك اختلف في معناه ، فقال [ ص: 4 ] الفراء : هو في العربية بمعنى : تقدس وهما للعظمة ، وقال : تبارك : تفاعل من البركة . قال : ومعنى البركة : الكثرة من كل ذي خير ، وقيل : تبارك : تعالى ، وقيل : تعالى عطاؤه ، أي : زاد وكثر . وقيل : المعنى دام وثبت إنعامه . قال الزجاج النحاس : وهذا أولاها في اللغة والاشتقاق من برك الشيء إذا ثبت ، ومنه برك الجمل والطير على الماء ، أي : دام وثبت ، انتهى محل الغرض من كلام القرطبي .
وقال أبو حيان في " البحر المحيط " : قال : تبارك : لم يزل ، ولا يزول . وقال ابن عباس الخليل : تمجد . وقال الضحاك : تعظم . وحكى : تباركت عليكم من قول عربي صعد رابية ، فقال ذلك لأصحابه ، أي : تعاليت وارتفعت . ففي هذه الأقوال تكون صفة ذات . وقال الأصمعي أيضا ، ابن عباس والحسن ، والنخعي : هو من البركة ، وهو التزايد في الخير من قبله . فالمعنى زاد خيره وعطاؤه وكثر ، وعلى هذا يكون صفة فعل ، انتهى محل الغرض من كلام أبي حيان .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الأظهر في معنى تبارك بحسب اللغة التي نزل بها القرآن أنه تفاعل من البركة ، كما جزم به ، وعليه فمعنى تبارك : تكاثرت البركات والخيرات من قبله ، وذلك يستلزم ابن جرير الطبري ; لأن من تأتي من قبله البركات والخيرات ويدر الأرزاق على الناس هو وحده المتفرد بالعظمة ، واستحقاق إخلاص العبادة له ، والذي لا تأتي من قبله بركة ولا خير ، ولا رزق كالأصنام ، وسائر المعبودات من دون الله لا يصح أن يعبد ، وعبادته كفر مخلد في نار جهنم ، وقد أشار تعالى إلى هذا في قوله : عظمته وتقدسه عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون [ 29 \ 17 ] وقوله تعالى : ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون [ 16 \ 73 ] وقوله تعالى : وهو يطعم ولا يطعم [ 6 \ 14 ] وقوله تعالى : ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين [ 51 \ 57 - 58 ] وقوله تعالى : هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون [ 40 \ 13 - 14 ] .