اعلم أنه تعالى في هذه الآية الكريمة قال : مكانا ضيقا ، وكذلك في الأنعام في قوله تعالى : يجعل صدره ضيقا حرجا [ 6 \ 125 ] وقال في هود وضائق به صدرك [ 11 \ 12 ] فما وجه التعبير في سورة هود ، بقوله : ضائق على وزن فاعل ، وفي الفرقان والأنعام بقوله : ضيقا على وزن فيعل ، مع أنه في المواضع الثلاثة هو الوصف من ضاق يضيق ، فهو ضيق .
والجواب عن هذا هو أنه تقرر في فن الصرف أن جميع أوزان الصفة المشبهة باسم الفاعل إن قصد بها الحدوث والتجدد جاءت على وزن فاعل مطلقا ، كما أشار له ابن مالك في لاميته بقوله :
وفاعل صالح للكل إن قصد الـ حدوث نحو غدا ذا فارح جذلا
وإن لم يقصد به الحدوث والتجدد بقي على أصله .
وإذا علمت ذلك فاعلم أن قوله تعالى في سورة هود : فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك [ 11 \ 12 ] أريد به أنه يحدث له ضيق الصدر ، ويتجدد له بسبب عنادهم وتعنتهم في قولهم : لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك ولما كان كذلك ، قيل فيه : ضائق بصيغة اسم الفاعل ، أما قوله : ضيقا في الفرقان والأنعام فلم يرد به حدوث ، ولذلك بقي على أصله .
ومن أمثلة إتيان الفيعل على فاعل إن قصد به الحدوث قوله تعالى : وضائق به صدرك وقول قيس بن الخطيم الأنصاري :
أبلغ خداشا أنني ميت كل امرئ ذي حسب مائت
فلما أراد حدوث الموت قال : مائت بوزن فاعل ، وأصله ميت على وزن فيعل .
ومن أمثلته في فعل بفتح فكسر قول أبي عمرو أشجع بن عمرو السلمي يرثي : [ ص: 29 ] قتيبة بن مسلم
فما أنا من رزء وإن جل جازع ولا بسرور بعد موتك فارح
فلما نفى أن يحدث له في المستقبل فرح ولا جزع قال جازع وفارح ، والأصل : جزع وفرح .
ومثاله في فعيل قول لبيد :
حسبت التقى والجود خير تجارة رباحا إذا ما المرء أصبح ثاقلا
فلما أراد حدوث الثقل قال : ثاقلا والأصل ثقيل ، وقول السمهري العكلي :
بمنزلة أما اللئيم فسامن بها وكرام الناس باد شحوبها
فلما أراد حدوث السمن قال : فسامن والأصل سمين .
واعلم أن قراءة ابن كثير " ضيقا " بسكون الياء في الموضعين راجعة في المعنى إلى قراءة الجمهور بتشديد الياء لأن إسكان الياء تخفيف كهين ولين ، في هين ولين . والعلم عند الله تعالى .