قوله تعالى : وجعلنا بعضكم لبعض فتنة .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة ، أنه جعل بعض الناس فتنة لبعض .
وهذا المعنى الذي دلت عليه الآية ذكره في قوله تعالى : وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا الآية [ 6 \ 53 ] .
[ ص: 36 ] وقال القرطبي في تفسير قوله : وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ومعنى هذا : أن كل واحد مختبر بصاحبه ، فالغني ممتحن بالفقير عليه أن يواسيه ولا يسخر منه ، والفقير ممتحن بالغني عليه أن لا يحسده ولا يأخذ منه إلا ما أعطاه ، وأن يصبر كل واحد منهما على الحق ، كما قال الضحاك في معنى : أتصبرون [ 25 \ 20 ] : أي على الحق ، وأصحاب البلايا يقولون : لم لم نعاف ؟ والأعمى يقول لم لم أجعل كالبصير ؟ وهكذا صاحب كل آفة ، والرسول المخصوص بكرامة النبوة فتنة لأشراف الناس من الكفار في عصره وكذلك العلماء ، وحكام العدل ، ألا ترى إلى قولهم : لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [ 43 \ 31 ] فالفتنة أن يحسد المبتلى المعافى ، ويحقر المعافى المبتلى ، والصبر أن يحبس كلاهما نفسه ، هذا عن البطر ، وذلك عن الضجر . انتهى محل الغرض من كلام القرطبي .
وإذا علمت معنى كون بعضهم فتنة لبعض . فاعلم أن قوله تعالى : وكذلك فتنا بعضهم ببعض الآية [ 6 \ 53 ] . فيه فتنة أغنياء الكفار بفقراء المسلمين ، حيث احتقروهم وازدروهم ، وأنكروا أن يكون الله من عليهم دونهم لأنهم في زعمهم لفقرهم ، ورثاثة حالهم ، لا يمكن أن يرحمهم الله ويعطيهم من فضله الواسع كما قال تعالى عنهم أنهم قالوا فيهم : لو كان خيرا ما سبقونا إليه [ 46 \ 11 ] وقال : أؤنزل عليه الذكر من بيننا [ 38 \ 8 ] إلى غير ذلك من الآيات ، وسيوبخهم الله يوم القيامة على احتقارهم لهم في الدنيا كما قال تعالى : أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون [ 7 \ 49 ] وقوله تعالى : إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون . . . . إلى قوله تعالى : فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون [ 83 \ 29 - 36 ] وقوله تعالى : ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة [ 2 \ 212 ] وقوله تعالى : ( أتصبرون ) ، أي على الحق أم لا تصبرون . والعلم عند الله تعالى .