قوله تعالى : الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا .
[ ص: 52 ] ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن يوم القيامة ، وأنهم شر مكانا وأضل سبيلا . وبين في مواضع أخر أنهم تكب وجوههم في النار ويسحبون على وجوههم فيها ; كقوله تعالى : الكفار يحشرون على وجوههم إلى جهنم ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار [ 27 \ 90 ] وقوله تعالى : يوم تقلب وجوههم في النار الآية [ 33 \ 66 ] وقوله تعالى : يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر [ 54 \ 48 ] وبين جل وعلا في سورة " بني إسرائيل " أنهم يحشرون على وجوههم ، وزاد مع ذلك أنهم يحشرون عميا وبكما وصما ، وذكر في سورة " طه " ، أن الكافر يحشر أعمى ، قال في سورة " بني إسرائيل " : ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا [ 17 \ 97 ] وقال في سورة " طه " : ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها الآية [ 20 \ 124 - 126 ] .
وقد بينا وجه الجمع في آية " بني إسرائيل " ، وآية " طه " المذكورتين مع الآيات الدالة على أن الكفار يوم القيامة يبصرون ويتكلمون ويسمعون ; كقوله تعالى : أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا [ 19 \ 38 ] وقوله تعالى : ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون [ 32 \ 12 ] وقوله تعالى : ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها [ 18 \ 53 ] في سورة " طه " ، في الكلام على قوله تعالى : ونحشره يوم القيامة أعمى ، وكذلك بينا أوجه الجمع بين الآيات المذكورة في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " ، في الكلام على آية " بني إسرائيل " المذكورة .
وصيغة التفضيل في قوله : أولئك شر مكانا وأضل سبيلا ، قد قدمنا الكلام في مثلها في الكلام على قوله : أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون [ 25 \ 15 ] والمكان محل الكينونة . والظاهر أنه يكون حسيا ومعنويا . فالحسي ظاهر ، والمعنوي ; كقوله تعالى : قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا الآية [ 12 \ 77 ] والسبيل الطريق وتذكر وتؤنث كما تقدم ، ومن تذكير السبيل قوله تعالى : وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا [ 7 \ 146 ] ومن تأنيثها قوله تعالى : قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة الآية [ 12 \ 108 ] .