قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=38nindex.php?page=treesubj&link=28996_32016_31843_31847وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا . الأظهر عندي أن قوله : وعادا وثمود معطوف على قوله :
وقوم نوح ، وأن
قوم نوح مفعول به لأغرقنا محذوفة دل عليها قوله بعده :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=37أغرقناهم وجعلناهم للناس آية ، على حد قوله في " الخلاصة " :
فالسابق انصبه بفعل أضمرا حتما موافق لما قد ذكرا
أي : أهلكنا قوم
نوح بالغرق ، وأهلكنا
عادا وثمود وأصحاب الرس ، وقرونا بين ذلك كثيرا ، أي : وأهلكنا قرونا كثيرة بين ذلك المذكور من
قوم نوح ،
وعاد وثمود .
والأظهر أن القرون الكثير المذكور بعد
قوم نوح ،
وعاد ،
وثمود ، وقبل
أصحاب الرس وقد دلت آية من سورة "
إبراهيم " على أن بعد
عاد ،
وثمود ، خلقا كفروا وكذبوا الرسل ، وأنهم لا يعلمهم إلا الله جل وعلا .
وتصريحه بأنهم بعد
عاد وثمود يوضح ما ذكرنا ، وذلك في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=9ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب [ 14 \ 9 ] .
وقد قدمنا كلام أهل العلم في معنى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=9فردوا أيديهم في أفواههم ، والإشارة في قوله : بين ذلك ، راجعة إلى
عاد وثمود وأصحاب الرس ، أي : بين ذلك المذكور
[ ص: 54 ] ورجوع الإشارة ، أو الضمير بالإفراد مع رجوعهما إلى متعدد باعتبار المذكور أسلوب عربي معروف ، ومنه في الإشارة قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=68قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك [ 2 \ 68 ] أي : ذلك المذكور من الفارض والبكر ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67وكان بين ذلك قواما [ 25 \ 67 ] أي : بين ذلك المذكور من الإسراف والقتر ، وقول
عبد الله بن الزبعرى السهمي :
إن للخير وللشر مدى وكلا ذلك وجه وقبل
أي : وكلا ذلك المذكور من الخير والشر ، ومنه في الضمير قول
رؤبة :
فيها خطوط من سواد وبلق كأنه في الجلد توليع البهق
أي : كأنه ، أي : ما ذكر من خطوط السواد والبلق ، وقد قدمنا هذا البيت .
أما
عاد وثمود فقد جاءت قصة كل منهما مفصلة في آيات متعددة . وأما
أصحاب الرس فلم يأت في القرآن تفصيل قصتهم ولا اسم نبيهم ، وللمفسرين فيهم أقوال كثيرة تركناها لأنها لا دليل على شيء منها .
والرس في لغة العرب : البئر التي ليست بمطوية ، وقال
الجوهري في " صحاحه " : إنها البئر المطوية بالحجارة ، ومن إطلاقها على البئر قول الشاعر :
وهم سائرون إلى أرضهم فيا ليتهم يحفرون الرساسا
وقول
nindex.php?page=showalam&ids=8572النابغة الجعدي :
سبقت إلى فرط ناهل تنابلة يحفرون الرساسا
والرساس في البيتين جمع رس ، وهي البئر ، والرس واد في قول
زهير في معلقته :
بكرن بكورا واستحرن بسحرة فهن لوادي الرس كاليد للفم
وقوله في هذه الآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=38وقرونا بين ذلك كثيرا ، جمع قرن ، وهو هنا الجيل من الناس الذي اقترنوا في الوجود في زمان من الأزمنة .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=38nindex.php?page=treesubj&link=28996_32016_31843_31847وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا . الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُ : وَعَادًا وَثَمُودَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ :
وَقَوْمَ نُوحٍ ، وَأَنَّ
قَوْمَ نُوحٍ مَفْعُولٌ بِهِ لِأَغْرَقْنَا مَحْذُوفَةٍ دَلَّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ بَعْدَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=37أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً ، عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ فِي " الْخُلَاصَةِ " :
فَالسَّابِقَ انْصِبْهُ بِفِعْلٍ أُضْمِرَا حَتْمًا مُوَافِقٌ لِمَا قَدْ ذُكِرَا
أَيْ : أَهْلَكْنَا قَوْمَ
نُوحٍ بِالْغَرَقِ ، وَأَهْلَكْنَا
عَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ ، وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا ، أَيْ : وَأَهْلَكْنَا قُرُونًا كَثِيرَةً بَيْنَ ذَلِكَ الْمَذْكُورِ مِنْ
قَوْمِ نُوحٍ ،
وَعَادٍ وَثَمُودَ .
وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْقُرُونَ الْكَثِيرَ الْمَذْكُورَ بَعْدَ
قَوْمِ نُوحٍ ،
وَعَادٍ ،
وَثَمُودَ ، وَقَبْلَ
أَصْحَابِ الرَّسِّ وَقَدْ دَلَّتْ آيَةٌ مِنْ سُورَةِ "
إِبْرَاهِيمَ " عَلَى أَنَّ بَعْدَ
عَادٍ ،
وَثَمُودَ ، خَلْقًا كَفَرُوا وَكَذَّبُوا الرُّسُلَ ، وَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا .
وَتَصْرِيحُهُ بِأَنَّهُمْ بَعْدَ
عَادٍ وَثَمُودَ يُوَضِّحُ مَا ذَكَرْنَا ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=9أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ [ 14 \ 9 ] .
وَقَدْ قَدَّمْنَا كَلَامَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=9فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ ، وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ : بَيْنَ ذَلِكَ ، رَاجِعَةٌ إِلَى
عَادٍ وَثَمُودَ وَأَصْحَابِ الرَّسِّ ، أَيْ : بَيْنَ ذَلِكَ الْمَذْكُورِ
[ ص: 54 ] وَرُجُوعُ الْإِشَارَةِ ، أَوِ الضَّمِيرِ بِالْإِفْرَادِ مَعَ رُجُوعِهِمَا إِلَى مُتَعَدِّدٍ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ أُسْلُوبٌ عَرَبِيٌّ مَعْرُوفٌ ، وَمِنْهُ فِي الْإِشَارَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=68قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ [ 2 \ 68 ] أَيْ : ذَلِكَ الْمَذْكُورُ مِنَ الْفَارِضِ وَالْبِكْرِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [ 25 \ 67 ] أَيْ : بَيْنَ ذَلِكَ الْمَذْكُورِ مِنَ الْإِسْرَافِ وَالْقَتْرِ ، وَقَوْلُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزِّبَعْرَى السَّهْمِيُّ :
إِنَّ لِلْخَيْرِ وَلِلشَّرِّ مَدَى وَكِلَا ذَلِكَ وَجْهٌ وَقُبُلُ
أَيْ : وَكِلَا ذَلِكَ الْمَذْكُورِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، وَمِنْهُ فِي الضَّمِيرِ قَوْلُ
رُؤْبَةَ :
فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبَلَقْ كَأَنَّهُ فِي الْجِلْدِ تَوْلِيعُ الْبَهَقْ
أَيْ : كَأَنَّهُ ، أَيْ : مَا ذَكَرَ مِنْ خُطُوطِ السَّوَادِ وَالْبَلَقِ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذَا الْبَيْتَ .
أَمَّا
عَادٌ وَثَمُودُ فَقَدْ جَاءَتْ قِصَّةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُفَصَّلَةً فِي آيَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ . وَأَمَّا
أَصْحَابُ الرَّسِّ فَلَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ تَفْصِيلُ قِصَّتِهِمْ وَلَا اسْمُ نَبِيِّهِمْ ، وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِيهِمْ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ تَرَكْنَاهَا لِأَنَّهَا لَا دَلِيلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا .
وَالرَّسُّ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ : الْبِئْرُ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَطْوِيَّةٍ ، وَقَالَ
الْجَوْهَرِيُّ فِي " صِحَاحِهِ " : إِنَّهَا الْبِئْرُ الْمَطْوِيَّةُ بِالْحِجَارَةِ ، وَمِنْ إِطْلَاقِهَا عَلَى الْبِئْرِ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
وَهُمْ سَائِرُونَ إِلَى أَرْضِهِمْ فَيَا لَيْتَهُمْ يَحْفِرُونَ الرِّسَاسَا
وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=8572النَّابِغَةِ الْجَعْدِيِّ :
سَبَقْتُ إِلَى فُرَطٍ نَاهِلٍ تَنَابِلَةٍ يَحْفُرُونَ الرِّسَاسَا
وَالرِّسَاسُ فِي الْبَيْتَيْنِ جَمْعُ رَسٍّ ، وَهِيَ الْبِئْرُ ، وَالرَّسُّ وَادٍ فِي قَوْلِ
زُهَيْرٍ فِي مُعَلَّقَتِهِ :
بَكَرْنَ بُكُورًا وَاسْتَحَرْنَ بِسُحْرَةٍ فَهُنَّ لِوَادِي الرَّسِّ كَالْيَدِ لِلْفَمِ
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=38وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا ، جَمْعُ قَرْنٍ ، وَهُوَ هُنَا الْجِيلُ مِنَ النَّاسِ الَّذِي اقْتَرَنُوا فِي الْوُجُودِ فِي زَمَانٍ مِنَ الْأَزْمِنَةِ .