قوله تعالى : قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون . قد دلت هذه الآية الكريمة على أن نبي الله صالحا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام نفعه الله بنصرة وليه ، أي : أوليائه ; لأنه مضاف إلى معرفة ، ووجه نصرتهم له : أن التسعة المذكورين في قوله تعالى : وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا تقاسموا [ 27 \ 48 - 49 ] أي : تحالفوا بالله ، لنبيتنه ، أي : لنباغتنه بياتا ، أي : ليلا فنقتله ونقتل أهله معه ، ثم لنقولن لوليه ، أي : أوليائه وعصبته ، ما شهدنا مهلك أهله ، أي : ولا مهلكه هو ، وهذا يدل على أنهم لا يقدرون أن يقتلوه علنا ، لنصرة أوليائه له ، وإنكارهم شهود مهلك أهله دليل على خوفهم من أوليائه ، والظاهر أن هذه النصرة عصبية نسبية لا تمت إلى الدين بصلة ، وأن أولياءه ليسوا مسلمين .
وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا المعنى في سورة " هود " ، في الكلام على قوله تعالى : قالوا ياشعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك الآية [ 11 \ 91 ] وفي سورة " بني إسرائيل " ، في الكلام على قوله تعالى : إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم [ 17 \ 19 ] . وقوله تعالى في هذه الآية : تقاسموا ، التحقيق أنه فعل أمر محكي بالقول . وأجاز ، الزمخشري وابن عطية أن يكون ماضيا في موضع الحال ، والأول هو الصواب إن شاء الله ، ونسبه أبو حيان للجمهور ، وقوله في هذه الآية : وإنا لصادقون ، التحقيق فيه أنهم كاذبون في قولهم : وإنا لصادقون ، كما لا يخفى ، وبه تعلم أن ما تكلفه في " الكشاف " ، من كونهم صادقين لا وجه له ، كما نبه عليه الزمخشري أبو حيان وأوضحه ، وقرأ عامة السبعة غير حمزة لنبيتنه بالنون المضمومة بعد اللام ، وفتح الفوقية المثناة التي بعد التحتية المثناة ، وقرأ والكسائي حمزة : لتبيتنه بالتاء الفوقية المضمومة بعد اللام ، وضم التاء الفوقية التي بعد الياء التحتية ، وقرأ عامة السبعة أيضا غير والكسائي حمزة : ثم لنقولن ، بالنون المفتوحة موضع التاء ، وفتح اللام الثانية ، وقرأ والكسائي حمزة : ثم لتقولن ، بفتح التاء الفوقية بعد [ ص: 120 ] اللام الأولى ، وضم اللام الثانية ، وقرأ والكسائي عاصم : مهلك أهله بفتح الميم ، والباقون بضمها ، وقرأ حفص عن عاصم : مهلك بكسر اللام ، والباقون بفتحها .
فتحصل أن حفصا عن عاصم قرأ مهلك بفتح الميم وكسر اللام ، وأن أبا بكر أعني شعبة قرأ عن عاصم : مهلك بفتح الميم واللام ، وأن غير عاصم قرأ : مهلك أهله ، بضم الميم وفتح اللام ، فعلى قراءة من قرأ مهلك بفتح الميم ، فهو مصدر ميمي من هلك الثلاثي ، ويحتمل أن يكون اسم زمان أو مكان ، وعلى قراءة من قرأ مهلك بضم الميم ، فهو مصدر ميمي من أهلك الرباعي ، ويحتمل أن يكون أيضا اسم مكان أو زمان .