المسألة السادسة : أظهر أقوال العلم عندي فيمن أنه لا يكون ظهارا إلا أن ينوي به الظهار ; لاحتمال اللفظ معاني أخرى غير الظهار ، مع كون الاستعمال فيها مشهورا ، فإن قال : نويت به الظهار ، فهو ظهار في قول عامة العلماء ، قاله في " المغني " . وإن نوى به أنها مثلها في الكرامة عليه والتوقير ، أو أنها مثلها في الكبر أو الصفة فليس بظهار ، والقول قوله في نيته ، قاله في " المغني " . قال لامرأته : أنت علي كأمي أو مثل أمي ، ولم يذكر الظهر
وأما إن لم ينو شيئا ، فقد قال في " المغني " : وإن أطلق ، فقال أبو بكر : هو صريح في [ ص: 197 ] الظهار ، وهو قول مالك ، ومحمد بن الحسن . وقال ابن أبي موسى : فيه روايتان ، أظهرهما : أنه ليس بظهار حتى ينويه ، وهذا قول أبي حنيفة ; لأن هذا اللفظ يستعمل في الكرامة أكثر مما يستعمل في التحريم ، فلم ينصرف إليه بغير نية ككنايات الطلاق ، انتهى منه . والشافعي
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : وهذا القول هو الأظهر عندي ، لأن اللفظ المذكور لا يتعين لا عرفا ، ولا لغة ، إلا لقرينة تدل على قصده الظهار .
قال في " المغني " : ووجه الأول يعني القول بأن ذلك ظهار أنه شبه امرأته بجملة أمه ، فكان مشبها لها بظهرها ، فيثبت الظهار ; كما لو شبهها به منفردا . ابن قدامة
والذي يصح عندي في قياس المذهب أنه إن وجدت قرينة تدل على الظهار مثل أن يخرجه مخرج الحلف ، فيقول : إن فعلت كذا فأنت علي مثل أمي ، أو قال ذلك حال الخصومة والغضب فهو ظهار ; لأنه إذا خرج مخرج الحلف فالحلف يراد للامتناع من شيء أو الحث عليه ، وإنما يحصل ذلك بتحريمها عليه ، ولأن كونها مثل أمه في صفتها أو كرامتها لا يتعلق على شرط ، فيدل على أنه إنما أراد الظهار ، ووقوع ذلك في حال الخصومة والغضب دليل على أنه أراد به ما يتعلق بأذاها ، ويوجب اجتنابها وهو الظهار ، وإن عدم هذا فليس بظهار ; لأنه محتمل لغير الظهار احتمالا كثيرا ، فلا يتعين الظهار فيه بغير دليل ، ونحو هذا قول ، انتهى محل الغرض من " المغني " ، وهو الأظهر فلا ينبغي العدول عنه ، والعلم عند الله تعالى . أبي ثور