الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      المسألة العاشرة : أظهر أقوال أهل العلم عندي أنه إن شبه أي عضو من امرأته بظهر أمه ، أو بأي عضو من أعضائها ، فهو مظاهر لحصول معنى تحريم الزوجة بذلك . وسواء كان عضو الأم يجوز له النظر إليه كرأسها ويدها أو لا يجوز له كفرجها وفخذها ، وهذا قول مالك ، والشافعي ، وإحدى الروايتين عن أحمد ، ورواية أخرى : أنه لا يكون مظاهرا حتى يشبه جملة امرأته ; لأنه لو حلف بالله لا يمس عضوا معينا منها لم يسر إلى غيره من أعضائها ، فكذلك المظاهرة ، ولأن هذا ليس بمنصوص عليه ، ولا هو في معنى المنصوص ، وعن أبي حنيفة : إن شبهها بما يحرم النظر إليه من الأم كالفخذ والفرج فهو ظهار ، وإن شبهها بما يجوز النظر إليه ، كاليد والرأس فليس بظهار ; لأن التشبيه بعضو يحل النظر إليه كالتشبيه بعضو زوجة له أخرى ، فلا يحصل به الظهار ، وإنما استظهرنا أنه ظهار مطلقا ; لأن معنى التحريم حاصل به ، فهو في معنى صريح الظهار ، فقولهم : ولا هو في معنى المنصوص ليس بمسلم ، بل هو في معناه ، وقياسه على حلفه بالله لا يمس عضوا [ ص: 199 ] معينا منها ظاهر السقوط ; لأن معنى التحريم يحصل ببعض ، والحلف عن بعض لا يسري إلى بعض آخر ، كما ترى . وقول أبي حنيفة : إن العضو الذي يحل النظر إليه لا يحصل الظهار بالتشبيه به غير مسلم أيضا ; لأنه وإن جاز النظر إليه فإن التلذذ به حرام ، والتلذذ هو المستفاد من عقد النكاح ، فالتشبيه به مستلزم للتحريم ، والظهار هو نفس التحريم بواسطة التشبيه بعضو الأم المحرم .

                                                                                                                                                                                                                                      واعلم أن القول بأن الظهار يحصل بقوله : شعرك ، أو ريقك ، أو كلامك علي كظهر أمي ، له وجه قوي من النظر ; لأن الشعر من محاسن النساء التي يتلذذ بها الأزواج كما بيناه في سورة " الحج " ، وكذلك الريق فإن الزوج يمصه ويتلذذ به من امرأته ، وكذلك الكلام ، كما هو معروف . وأما لو قال لها : سعالك أو بصاقك ، أو نحو ذلك علي كظهر أمي ، فالظاهر أن ذلك ليس بشيء ; لأن السعال والبصاق وما يجري مجراهما ، كالدمع ليس مما يتمتع به عادة ، والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية