الفرع الرابع عشر : في كلام أهل العلم في ، اعلم أن العلماء اختلفوا في ذلك ، فمذهب القدر الذي يعطاه كل مسكين من الطعام مالك أنه يعطي كل مسكين من البر الذي هو القمح مدا وثلثي مد ، وإن كان إطعامه من غير البر ، كالتمر والشعير ، لزمه منه ما يقابل المد والثلثين من البر . قال خليل المالكي في مختصره في إطعام كفارة الظهار : لكل مد وثلثان برا ، وإن اقتاتوا تمرا أو مخرجا في الفطر فعدله ، انتهى محل الغرض منه .
وقال شارحه المواق بن يونس : ينبغي أن يكون الشبع مدين إلا ثلثا بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهي عيار مد هشام ، فمن أخرج به أجزأه ، قاله مالك . قال ابن القاسم : فإن كان عيش بلدهم تمرا أو شعيرا أطعم منه المظاهر عدل مد هشام من البر ، انتهى محل الغرض منه .
ومذهب أبي حنيفة : أنه يعطي كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا كاملا من تمر أو شعير . ومذهب : أنه يعطي كل مسكين مدا مطلقا . ومعلوم : أن المد النبوي ربع الصاع ، قال في " المغني " : وقال الشافعي : ويطعم مدا من أي الأنواع كان ، وبهذا قال أبو هريرة عطاء والأوزاعي ، اهـ . ومذهب والشافعي أحمد : أنه يعطي كل مسكين مدا من بر أو نصف صاع من تمر أو شعير ، ا هـ .
وإذا عرفت مذاهب الأئمة في هذا الفرع ، فاعلم أنا أردنا هنا أن نذكر كلام في " المغني " في أدلتهم وأقوالهم ، قال : وجملة الأمر أن قدر الطعام في الكفارات كلها مد من بر لكل مسكين ، ونصف صاع من تمر أو شعير ، وممن قال مد بر : ابن قدامة ، زيد بن ثابت ، وابن عباس ، حكاه عنهم وابن عمر ، ورواه عنهم الإمام أحمد الأثرم ، وعن عطاء . وقال وسليمان بن موسى : أدركت الناس إذا أعطوا في كفارة اليمين أعطوا مدا من حنطة بالمد الأصغر مد النبي صلى الله عليه وسلم . وقال سليمان بن يسار : يطعم مدا من أي الأنواع كان ، وبهذا قال أبو هريرة ، الأوزاعي وعطاء ، لما روى والشافعي أبو داود بإسناده عن عطاء ، عن أوس أخي [ ص: 227 ] : عبادة بن الصامت . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه يعني المظاهر خمسة عشر صاعا من شعير إطعام ستين مسكينا
وروى الأثرم بإسناده عن في حديث المجامع في رمضان : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوتي بعرق فيه خمسة عشر صاعا ، فقال : " أبي هريرة " . وإذا ثبت في المجامع في رمضان بالخبر ثبت في المظاهر بالقياس عليه ، ولأنه إطعام واجب ، فلم يختلف باختلاف أنواع المخرج ، كالفطرة وفدية الأذى . وقال خذه وتصدق به مالك : لكل مسكين مدان من جميع الأنواع ، وممن قال مدان من قمح : مجاهد ، وعكرمة ، ، والشعبي والنخعي ; لأنها كفارة تشتمل على صيام وإطعام ، فكان لكل مسكين نصف صاع كفدية الأذى . وقال وأصحاب الرأي : من القمح مدان ، ومن التمر والشعير صاع لكل مسكين ; لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الثوري سلمة بن صخر رضي الله عنه : " " . فأطعم وسقا من تمر
رواه الإمام أحمد في المسند ، وأبو داود وغيرهما ، وروى الخلال بإسناده ، عن ، عن يوسف بن عبد الله بن سلام خويلة ، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " " . وفي رواية فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر أبي داود : والعرق ستون صاعا . وروى بإسناده عن ابن ماجه ، قال : ابن عباس . كفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصاع من تمر وأمر الناس " فمن لم يجد فنصف صاع من بر "
وروى الأثرم بإسناده عن عمر رضي الله عنه ، قال : أطعم عني صاعا من تمر أو شعير أو نصف صاع من بر ، ولأنه إطعام للمساكين ، فكان صاعا من تمر أو شعير ، أو نصف صاع من بر ، كصدقة الفطر .
ولنا ما روى الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا أيوب ، عن أبي يزيد المدني ، قال : جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للمظاهر : " أطعم هذا فإن مدي شعير مكان مد بر " ، وهذا نص ويدل على أنه مد بر أنه قول زيد ، ، وابن عباس ، وابن عمر ، ولم نعرف لهم في الصحابة مخالفا ، فكان إجماعا . وأبي هريرة
ويدل على أنه نصف صاع من التمر والشعير ، ما روى : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال عطاء بن يسار لخولة امرأة أوس بن الصامت : " " . اذهبي إلى فلان الأنصاري ، فإن عنده شطر وسق من تمر أخبرني أنه يريد أن يتصدق به ، فلتأخذيه فليتصدق به على ستين مسكينا
[ ص: 228 ] وفي حديث أوس بن الصامت : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : . " إني سأعينه بعرق من تمر " ، قلت : يا رسول الله فإني سأعينه بعرق آخر ، قال : " قد أحسنت ، اذهبي فأطعمي بهما عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك "
وروى أبو داود بإسناده ، عن ، أنه قال : العرق : زنبيل يأخذ خمسة عشر صاعا ، فعرقان يكونان ثلاثين صاعا لكل مسكين نصف صاع ، ولأنها كفارة تشتمل على صيام وإطعام ، فكان لكل مسكين نصف صاع من التمر والشعير ، كفدية الأذى . أبي سلمة بن عبد الرحمن
فأما رواية أبي داود : أن العرق ستون صاعا فقد ضعفها ، وقال : غيرها أصح منها ، وفي الحديث ما يدل على الضعف ; لأن ذلك في سياق قوله : ، فلو كان العرق ستين صاعا لكانت الكفارة مائة وعشرين صاعا ولا قائل به . " إني سأعينه بعرق " ، فقالت امرأته : إني سأعينه بعرق آخر ، " فأطعمي بهما عنه ستين مسكينا "
وأما حديث المجامع الذي أعطاه خمسة عشر صاعا ، فقال : " تصدق به " ، فيحتمل أنه اقتصر عليه إذ لم يجد سواه ، ولذلك لما أخبره بحاجته إليه أمره بأكله .
وفي الحديث المتفق عليه قريب من عشرين صاعا ، وليس ذلك مذهبا لأحد ، فيدل على أنه اقتصر على البعض الذي لم يجد سواه ، وحديث أوس أخي عبادة بن الصامت مرسل يرويه عنه عطاء ، ولم يدركه على أنه حجة لنا ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه عرقا ، وأعانته امرأته بآخر ، فصارا جميعا ثلاثين صاعا ، وسائر الأخبار يجمع بينها وبين أخبارنا ، بحملها على الجواز ، وحمل أخبارنا على الإجزاء . وقد عضد هذا أن راوي بعضها ، ومذهبه : أن المد من البر يجزئ . وكذلك ابن عباس ، وسائر ما ذكرنا من الأخبار مع الإجماع الذي نقله أبو هريرة ، والله أعلم . انتهى بطوله من " المغني " سليمان بن يسار ، وقد جمع فيه أقوال أهل العلم وأدلتهم ، وما نقل عن لابن قدامة مالك في هذا المبحث أصح منه عنه ما ذكرناه قبله في هذا المبحث .
وقال الشوكاني في " نيل الأوطار " ، في رواية : ، هذه الرواية تفرد بها والعرق ستون صاعا معمر بن عبد الله بن حنظلة . قال الذهبي : لا يعرف ، ووثقه ، وفيها أيضا ابن حبان محمد بن إسحاق ، وقد عنعن . والمشهور عرفا أن العرق يسع خمسة عشر صاعا ، كما روى ذلك الترمذي بإسناد صحيح من حديث سلمة نفسه ، ا هـ منه .
[ ص: 229 ] قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : قد رأيت أقوال أهل العلم في قدر ما يعطى المسكين من إطعام كفارة الظهار واختلافها ، وأدلتهم واختلافها .
وأحوط أقوالهم في ذلك قول أبي حنيفة ومن وافقه ; لأنه أحوطها في الخروج من عهدة الكفارة ، والعلم عند الله تعالى .