وأما صلاة العصر ، فقد دلت نصوص السنة على أن لها وقتا اختياريا ، ووقتا ضروريا ، أما وقتها الاختياري فأوله عندما يكون ظل كل شيء مثله من غير اعتبار ظل الزوال ، ويدخل وقتها بانتهاء وقت الظهر المتقدم بيانه ، ففي حديث المتقدم : " ابن عباس " . فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله
وفي حديث جابر المتقدم أيضا : " " ، وهذا هو التحقيق في أول وقت العصر ، كما صرحت به الأحاديث المذكورة وغيرها . فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله
وقال : الشافعي إذا صار ظل كل شيء مثله ، وزاد أدنى زيادة . أول وقت العصر
قال مقيده - عفا الله عنه - : إن كان مراد أن الزيادة لتحقيق بيان انتهاء الظل إلى المثل إذ لا يتيقن ذلك إلا بزيادة ما كما قال به بعض الشافعية فهو موافق لما عليه الجمهور لا مخالف له ، وإن كان مراده غير ذلك فهو مردود بالنصوص المصرحة بأن أول وقت العصر عندما يكون ظل الشيء مثله من غير حاجة إلى زيادة ، مع أن الظاهر إمكان تحقيق كون ظل الشيء مثله من غير احتياج إلى زيادة ما . وشذ الشافعي أبو حنيفة رحمه الله من بين عامة العلماء فقال : يبقى وقت الظهر حتى يصير الظل مثلين ، فإذا زاد على ذلك يسيرا كان أول وقت العصر . [ ص: 284 ] ونقل النووي في " شرح المهذب " عن القاضي أبي الطيب أن ابن المنذر قال : لم يقل هذا أحد غير أبي حنيفة رحمه الله وحجته حديث رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ابن عمر متفق عليه . قال : فهذا دليل على أن وقت العصر أقصر من وقت الظهر ومن حين يصير ظل الشيء مثله إلى غروب الشمس هو ربع النهار ، وليس بأقل من وقت الظهر ، بل هو مثله . إنما بقاؤكم فيما سلف من الأمم قبلكم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس ، أوتي أهل التوراة التوراة فعملوا حتى إذا انتصف النهار عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ، ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل ، فعملوا إلى صلاة العصر فعجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ، ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس فأعطينا قيراطين قيراطين . فقال أهل الكتاب : أي ربنا ، أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين وأعطيتنا قيراطا قيراطا ونحن أكثر عملا ؟ قال الله تعالى : ( هل ظلمتكم من أجركم من شيء ، قالوا لا قال فهو فضلي أوتيه من أشاء )
وأجيب عن هذا الاستدلال بأن المقصود من هذا الحديث ضرب المثل لا بيان تحديد أوقات الصلاة ، والمقصود من الأحاديث الدالة على انتهاء وقت الظهر عندما يصير ظل الشيء مثله هو تحديد أوقات الصلاة ، وقد تقرر في الأصول أن أخذ الأحكام من مظانها أولى من أخذها لا من مظانها مع أن الحديث ليس فيه تصريح بأن أحد الزمنين أكثر من الآخر وإنما فيه أن عملهم أكثر ، وكثرة العمل لا تستلزم كثرة الزمن لجواز أن يعمل بعض الناس عملا كثيرا في زمن قليل ، ويدل لهذا أن هذه الأمة وضعت عنها الآصار والأغلال التي كانت عليهم .
قال : خالف ابن عبد البر أبو حنيفة في قوله هذا الآثار والناس ، وخالفه أصحابه ، فإذا تحققت أن الحق كون أول وقت العصر عندما يكون ظل كل شيء مثله ، من غير اعتبار ظل الزوال فاعلم أن جاء في بعض الأحاديث تحديده بأن يصير ظل كل شيء مثليه ، وجاء في بعضها تحديده بما قبل اصفرار الشمس ، وجاء في بعضها امتداده إلى غروب الشمس ، ففي حديث آخر وقت العصر جابر المتقدمين في إمامة وابن عباس جبريل في بيانه لآخر وقت العصر في اليوم الثاني ، ثم ، وفي حديث صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه عبد الله بن عمر وعند مسلم وأحمد ، ، وفي حديث ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس أبي موسى عند أحمد ومسلم وأبي داود ، ثم أخر العصر فانصرف [ ص: 285 ] منها ، والقائل يقول : احمرت الشمس ، وروى الإمام والنسائي أحمد ومسلم وأصحاب السنن الأربع نحوه من حديث ، وفي حديث بريدة الأسلمي عبد الله بن عمر ، وعند مسلم ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس ويسقط قرنها الأول .
وفي حديث المتفق عليه : أبي هريرة . ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر
والظاهر في وجه الجمع بين هذه الروايات في تحديد آخر وقت العصر أن مصير ظل الشيء مثليه ، هو وقت تغيير الشمس من البياض والنقاء إلى الصفرة ، فيؤول معنى الروايتين إلى شيء واحد ، كما قاله بعض المالكية .
وقال في " المغني " : أجمع العلماء على أن من ابن قدامة ، فقد صلاها في وقتها ، وفي هذا دليل على أن مراعاة المثلين عندهم استحباب ولعلهما متقاربان يوجد أحدهما قريبا من الآخر . اهـ . منه بلفظه . وهذا هو انتهاء وقتها الاختياري . صلى العصر والشمس بيضاء نقية
وأما الروايات الدالة على امتداد وقتها إلى الغروب ، فهي في حق أهل الأعذار كحائض تطهر ، وكافر يسلم ، وصبي يبلغ ، ومجنون يفيق ، ونائم يستيقظ ، ومريض يبرأ ، ويدل لهذا الجمع ما رواه الإمام أحمد ومسلم ، وأبو داود ، ، والترمذي من حديث والنسائي أنس قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " " . ففي الحديث دليل على عدم جواز تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله إلا قليلا فما بعده بلا عذر . تأخير صلاة العصر إلى الاصفرار