الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فروع :

                                                                                                                                                                                                                                      الأول : ظاهر هذه الآية الكريمة أن الخلع يجوز بأكثر من الصداق ; وذلك لأنه تعالى عبر بما الموصولة في قوله : فلا جناح عليهما فيما افتدت به [ 2 \ 229 ] ، وقد تقرر في الأصول أن الموصولات من صيغ العموم ; لأنها تعم كل ما تشمله صلاتها كما عقده في " مراقي السعود " بقوله : [ الرجز ]

                                                                                                                                                                                                                                      صيغه كل أو 2 ( 212 ) الجميع وقد تلا الذي التي الفروع



                                                                                                                                                                                                                                      وهذا هو مذهب الجمهور ، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية ما نصه : وقد اختلف العلماء رحمهم الله في أنه هل يجوز للرجل أن يفاديها بأكثر مما أعطاها .

                                                                                                                                                                                                                                      فذهب الجمهور إلى جواز ذلك ; لعموم قوله تعالى : فلا جناح عليهما فيما افتدت به .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 144 ] وقال ابن جرير : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، أخبرنا أيوب عن كثير مولى ابن سمرة : أن عمر أتي بامرأة ناشز فأمر بها إلى بيت كثير الزبل ، ثم دعاها فقال : كيف وجدت ؟ فقالت : ما وجدت راحة منذ كنت عنده إلا هذه الليلة التي كنت حبستني . فقال لزوجها : اخلعها ولو من قرطها ، ورواه عبد الرزاق عن معمر ، عن أيوب ، عن كثير مولى ابن سمرة فذكر مثله ، وزاد فحبسها فيه ثلاثة أيام .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن حميد بن عبد الرحمن ، أن امرأة أتت عمر بن الخطاب فشكت زوجها فأباتها في بيت الزبل ، فلما أصبحت قال لها : كيف وجدت مكانك ؟ قالت : ما كنت عنده ليلة أقر لعيني من هذه الليلة . فقال : خذ ولو عقاصها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال البخاري : وأجاز عثمان الخلع دون عقاص رأسها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل : أن الربيع بنت معوذ بن عفراء حدثته قالت : كان لي زوج يقل علي الخير إذا حضرني ، ويحرمني إذا غاب ، قالت : فكانت مني زلة يوما ، فقلت له : أختلع منك بكل شيء أملكه ، قال : نعم ، قالت : ففعلت ، قالت : فخاصم عمي معاذ بن عفراء إلى عثمان بن عفان فأجاز الخلع ، وأمره أن يأخذ عقاص رأسي ، فما دونه ، أو قالت ما دون عقاص الرأس .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى هذا أنه يجوز أن يأخذ منها كل ما بيدها من قليل وكثير ، ولا يترك لها سوى عقاص شعرها ، وبه يقول ابن عمر ، وابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد ، وإبراهيم النخعي ، وقبيصة بن ذؤيب ، والحسن بن صالح ، وعثمان البتي .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا مذهب مالك ، والليث ، والشافعي ، وأبي ثور ، واختاره ابن جرير . وقال أصحاب أبي حنيفة إن كان الإضرار من قبلها جاز أن يأخذ منها ما أعطاها ، ولا يجوز الزيادة عليه ، فإن ازداد جاز في القضاء ، وإن كان الإضرار من جهته لم يجز أن يأخذ منها شيئا ، فإن أخذ جاز في القضاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد وأبو عبيد وإسحاق بن راهويه : لا يجوز أن يأخذ أكثر مما أعطاها ، وهذا قول سعيد بن المسيب وعطاء ، وعمرو بن شعيب ، والزهري ، وطاوس ، والحسن ، والشعبي ، وحماد بن أبي سليمان ، والربيع بن أنس .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 145 ] وقال معمر والحكم : كان علي يقول : لا يأخذ من المختلعة فوق ما أعطاها . وقال الأوزاعي : القضاة لا يجيزون أن يأخذ منها أكثر مما ساق إليها ، قلت : ويستدل لهذا القول بما تقدم من رواية قتادة عن عكرمة عن ابن عباس في قصة ثابت بن قيس ، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ منها الحديقة ولا يزداد ، وبما روى عبد بن حميد حيث قال : أخبرنا قبيصة عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ، يعني : المختلعة ، وحملوا معنى الآية على معنى : فلا جناح عليهما فيما افتدت به ، أي : من الذي أعطاها ; لتقدم قوله : ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به [ 2 \ 229 ] ، أي : من ذلك وهكذا كان يقرؤها الربيع بن أنس فلا جناح عليهما فيما افتدت به منه ، رواه ابن جرير ، ولهذا قال بعده : تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون [ 2 \ 229 ] . اهـ من ابن كثير بلفظه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية