nindex.php?page=treesubj&link=29030قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا .
أتى : تأتي لعدة معان ، منها بمعنى المجيء ، ومنها بمعنى الإنذار ، ومنها بمعنى المداهمة .
وقد توهم
الرازي أنها من باب الصفات ، فقال : المسألة الثانية قوله : فأتاهم الله ، لا يمكن إجراؤه على ظاهره باتفاق جمهور العقلاء ، فدل على أن باب التأويل مفتوح ، وأن صرف الآيات عن ظواهرها بمقتضى الدلائل العقلية جائز . ا هـ .
وهذا منه على مبدئه في تأويل آيات الصفات ، ويكفي لرده أنه مبني على مقتضى الدلائل العقلية ، ومعلوم أن العقل لا مدخل له في باب صفات الله تعالى ؛ لأنها فوق مستويات العقول
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [ 42 \ 11 ] ، ولا يحيطون به علما سبحانه وتعالى .
أما معنى الآية فإن سياق القرآن يدل على أن مثل هذا السياق ليس من باب الصفات كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فأتى الله بنيانهم من القواعد [ 16 \ 26 ] ، أي هدمه واقتلعه من قواعده ، ونظيره :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24أتاها أمرنا ليلا أو نهارا [ 10 \ 24 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=41أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها [ 13 \ 41 ] ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=44أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها [ 21 \ 44 ] .
وفي الحديث عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - في العدوى : أني قلت أتيت أي دهيت ، وتغير عليك حسك فتوهمت ما ليس بصحيح صحيحا .
ويقال : أتي فلان بضم الهمزة وكسر التاء إذا أظل عليه العدو ، ومنه قولهم : من مأمنه
[ ص: 18 ] يؤتى الحذر ، فيكون قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ، أخذهم ودهاهم وباغتهم من حيث لم يحتسبوا من قتل
كعب بن الأشرف وحصارهم ، وقذف الرعب في قلوبهم .
وهناك موقف آخر في سورة البقرة يؤيد ما ذكرناه هنا ، وهو قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير [ 2 \ 109 ] . فقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره وهو في سياق أهل الكتاب ، وهم بذاتهم الذين قال فيهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فأتاهم الله فيكون فأتاهم الله هنا هو إتيان أمره تعالى الموعود في بادئ الأمر عند الأمر بالعفو والصفح .
وقد أورد الشيخ - رحمه الله - عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره أن هذه الآية في أهل الكتاب كما هو واضح من السياق ، وقال : والأمر في قوله : بأمره ، قال بعض العلماء : هو واحد الأوامر ، وقال بعضهم : هو واحد الأمور .
فعلى القول الأول بأنه الأمر الذي هو ضد النهي فإن الأمر المذكور ، هو المصرح به في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون [ 9 \ 29 ] .
وعلى القول بأن واحد الأمور ، فهو ما صرح الله به في الآيات الدالة على ما أوقع
باليهود من القتل ، والتشريد كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا ياأولي الأبصار nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=3ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم الآية [ 59 \ 2 - 3 ] ، إلى غير ذلك من الآيات ، والآية غير منسوخة على التحقيق . ا هـ [ من الجزء الأول من الأضواء ] .
فقد نص - رحمه الله - على أن آية :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره مرتبطة بآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ، هذه كما قدمنا : أن هذا هو الأمر الموعود به ، وقد أتاهم به من حيث لم يحتسبوا ، ويشهد لهذا كله القراءة الثانية ( فآتاهم ) بالمد بمعنى : أعطاهم وأنزل بهم ، ويكون الفعل متعديا والمفعول محذوفا دل عليه قوله :
[ ص: 19 ] nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2من حيث لم يحتسبوا أي : أنزل بهم عقوبة وذلة ومهانة جاءتهم من حيث لم يحتسبوا والعلم عند الله تعالى .
nindex.php?page=treesubj&link=29030قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا .
أَتَى : تَأْتِي لِعِدَّةِ مَعَانٍ ، مِنْهَا بِمَعْنَى الْمَجِيءِ ، وَمِنْهَا بِمَعْنَى الْإِنْذَارِ ، وَمِنْهَا بِمَعْنَى الْمُدَاهَمَةِ .
وَقَدْ تَوَهَّمَ
الرَّازِيُّ أَنَّهَا مِنْ بَابِ الصِّفَاتِ ، فَقَالَ : الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ : فَأَتَاهُمُ اللَّهُ ، لَا يُمْكِنُ إِجْرَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ بِاتِّفَاقِ جُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ بَابَ التَّأْوِيلِ مَفْتُوحٌ ، وَأَنَّ صَرْفَ الْآيَاتِ عَنْ ظَوَاهِرِهَا بِمُقْتَضَى الدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ جَائِزٌ . ا هـ .
وَهَذَا مِنْهُ عَلَى مَبْدَئِهِ فِي تَأْوِيلِ آيَاتِ الصِّفَاتِ ، وَيَكْفِي لِرَدِّهِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَقْلَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي بَابِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهَا فَوْقَ مُسْتَوَيَاتِ الْعُقُولِ
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [ 42 \ 11 ] ، وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
أَمَّا مَعْنَى الْآيَةِ فَإِنَّ سِيَاقَ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا السِّيَاقِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الصِّفَاتِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ [ 16 \ 26 ] ، أَيْ هَدَمَهُ وَاقْتَلَعَهُ مِنَ قَوَاعِدِهِ ، وَنَظِيرِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=24أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا [ 10 \ 24 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=41أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا [ 13 \ 41 ] ، وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=44أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا [ 21 \ 44 ] .
وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْعَدْوَى : أَنِّي قُلْتُ أُتِيتَ أَيْ دُهِيتَ ، وَتَغَيَّرَ عَلَيْكَ حِسُّكُ فَتَوَهَّمْتَ مَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ صَحِيحًا .
وَيُقَالُ : أُتِيَ فُلَانٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ التَّاءِ إِذَا أَظَلَّ عَلَيْهِ الْعَدُّوُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : مِنْ مَأْمَنِهِ
[ ص: 18 ] يُؤْتَى الْحَذِرُ ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ، أَخَذَهُمْ وَدَهَاهُمْ وَبَاغَتَهُمْ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا مِنْ قَتْلِ
كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَحِصَارِهِمْ ، وَقَذْفِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِهِمْ .
وَهُنَاكَ مَوْقِفٌ آخَرُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ 2 \ 109 ] . فَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَهُوَ فِي سِيَاقِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَهُمْ بِذَاتِهِمِ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فَأَتَاهُمُ اللَّهُ فَيَكُونُ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ هُنَا هُوَ إِتْيَانُ أَمْرِهِ تَعَالَى الْمَوْعُودِ فِي بَادِئِ الْأَمْرِ عِنْدَ الْأَمْرِ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ .
وَقَدْ أَوْرَدَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ مِنَ السِّيَاقِ ، وَقَالَ : وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ : بِأَمْرِهِ ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : هُوَ وَاحِدُ الْأَوَامِرِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ وَاحِدُ الْأُمُورِ .
فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ الْأَمْرُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ النَّهْيِ فَإِنَّ الْأَمْرَ الْمَذْكُورَ ، هُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [ 9 \ 29 ] .
وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ وَاحِدَ الْأُمُورِ ، فَهُوَ مَا صَرَّحَ اللَّهُ بِهِ فِي الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى مَا أَوْقَعَ
بِالْيَهُودِ مِنَ الْقَتْلِ ، وَالتَّشْرِيدِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=3وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ الْآيَةَ [ 59 \ 2 - 3 ] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ ، وَالْآيَةُ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ عَلَى التَّحْقِيقِ . ا هـ [ مِنَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنَ الْأَضْوَاءِ ] .
فَقَدْ نَصَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّ آيَةَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ مُرْتَبِطَةٌ بِآيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ، هَذِهِ كَمَا قَدَّمْنَا : أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَمْرُ الْمَوْعُودُ بِهِ ، وَقَدْ أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا كُلِّهِ الْقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ ( فَآتَاهُمْ ) بِالْمَدِّ بِمَعْنَى : أَعْطَاهُمْ وَأَنْزَلَ بِهِمْ ، وَيَكُونُ الْفِعْلُ مُتَعَدِّيًا وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ :
[ ص: 19 ] nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا أَيْ : أَنْزَلَ بِهِمْ عُقُوبَةً وَذِلَّةً وَمَهَانَةً جَاءَتْهُمْ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .