قرأ الجمهور : ( فاسعوا ) ، وقرأها عمر : ( فامضوا ) ، روى - رحمه الله - أنه قيل ابن جرير لعمر رضي الله عنه : إن أبيا يقرؤها ( فاسعوا ) ، قال : أما إنه أقرؤنا وأعلمنا بالمنسوخ ، وإنما هي ( فامضوا ) .
وروي أيضا عن سالم أنه قال : ما سمعت عمر قط يقرؤها إلا فامضوا .
وبوب له قال باب قوله : البخاري وآخرين منهم لما يلحقوا بهم [ 62 \ 3 ] ، وقرأ عمر : فامضوا ، وذكر القرطبي عن أنه قرأه : فامضوا إلى ذكر الله ، وقال : لو كانت ( فاسعوا ) لسعيت حتى يسقط ردائي . اهـ . عبد الله بن مسعود
وبالنظر فيما ذكره القرطبي نجد الصحيح قراءة الجمهور لأمرين ، الأول : لشهادة عمر نفسه - رضي الله عنه - أن أبيا أقرؤهم وأعلمهم بالمنسوخ ، وإذا كان كذلك فالقول قوله ; لأنه أعلمهم وأقرؤهم . أما قراءة فقال ابن مسعود القرطبي : إن سنده غير متصل ; لأنه عن عن إبراهيم النخعي ، ابن مسعود وإبراهيم لم يسمع من شيئا . اهـ . ابن مسعود
وقد اختلف في معنى السعي هنا ، وحاصل أقوال المفسرين فيه على ثلاثة أقوال لا يعارض بعضها بعضا :
الأول : العمل لها ، والتهيؤ من أجلها .
الثاني : القصد والنية على إتيانها .
الثالث : السعي على الأقدام دون الركوب .
واستدلوا لذلك بأن السعي يطلق في القرآن على العمل ، قاله . وقال : هو مذهب الفخر الرازي مالك ، قال تعالى : والشافعي وإذا تولى سعى في الأرض [ 2 \ 205 ] ، وقال : [ ص: 166 ] إن سعيكم لشتى [ 92 \ 4 ] ، أي العمل .
واستدلوا للثاني بقول الحسن : والله ما هو بسعي على الأقدام ، ولكن سعي القلوب والنية .
واستدلوا للثالث بما في عن البخاري أبي عبس بن جبر واسمه عبد الرحمن ، وكان من كبار الصحابة مشى إلى الجمعة راجلا ، وقال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " " . ذكره من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار القرطبي ، ولم يذكره في التفسير . البخاري
وبالتأمل في هذه الأقوال الثلاثة نجدها متلازمة لأن العمل أعم من السعي ، والسعي أخص ، فلا تعارض بين أعم وأخص ، ، وأولى هذه الأقوال كلها ما جاء في قراءة والنية شرط في العمل عمر - رضي الله عنه - الصحيحة : ( فامضوا ) ، فهي بمنزلة التفسير للسعي .
وروي عن الفراء : أن المضي والسعي والذهاب في معنى واحد ، والصحيح أن السعي يتضمن معنى زائدا وهو الجد والحرص على التحصيل ، كما في قوله تعالى : والذين سعوا في آياتنا معاجزين [ 22 \ 51 ] ، بأنهم حريصون على ذلك : وهو أكثر استعمالات القرآن .
قال : السعي المشي السريع ، وهو دون العدو ، ويستعمل للجد في الأمر خيرا كان أو شرا ، قال تعالى : الراغب الأصفهاني وسعى في خرابها [ 2 \ 114 ] . وإذا تولى سعى في الأرض [ 2 \ 205 ] ، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها [ 17 \ 19 ] ، وجمع الأمرين الخير والشر : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى [ 53 \ 39 - 40 ] ، وهو ما تشهد له اللغة ، كما في قول زهير بن أبي سلمى :
سعى ساعيا غيظ ابن مرة بعدما تبزل ما بين العشيرة بالدم
وكقول الآخر :
إن أجز علقمة بن سعد سعيه لا أجزه ببلاء يوم واحد
[ ص: 167 ] تنبيه
من هذا كله يظهر أن السعي هو المضي مع مراعاة ما جاء في السنة من لحديث الحث على السكينة والوقار - رضي الله عنه - في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أبي هريرة " . إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ، ولا تسرعوا ، فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا
وهذا أمر عام لكل آت إلى كل صلاة ولو كان الإمام في الصلاة لحديث أبي قتادة عند قال : البخاري " . ا هـ . بينما نحن نصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ سمع جلبة رجال فلما صلى قال : ما شأنكم ؟ قالوا : استعجلنا إلى الصلاة ، قال : " فلا تفعلوا إذا أتيتم الصلاة فامشوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا
وكذلك حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - " على رواية تعد من العود . لما ركع خلف الصف ودب حتى دخل في الصف وهو راكع ، فقال له صلى الله عليه وسلم : " زادك الله حرصا ، ولا تعد