ثم رد تعالى عليه ذلك برده إياه إلى أصل خلقته ، ليتعظ من نفسه في قوله تعالى من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره ثم أماته فأقبره [ 80 \ 18 - 21 ] ; لأن هذه الثلاثة مسلم بها ، ورتب عليها الرابعة : : ثم إذا شاء أنشره [ 70 \ 22 ] .
وقوله : من نطفة خلقه فقدره تقدم مرارا بيان أصل خلق الإنسان وأطواره .
وقوله : ثم السبيل يسره قيل : " السبيل " إلى خروجه من بطن أمه ، حيث أدار رأسه إلى جهة الخروج ، بدلا مما كان عليه إلى أعلى ، وهذا من التيسير في سبيل خروجه ، وهذا مروي عن وغيره ، وهو اختيار ابن عباس . ابن جرير
وقيل : " السبيل " : أي الدين في وضوحه ، ويسر العمل به ، كقوله تعالى : [ ص: 435 ] إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا [ 76 \ 3 ] ، وهو مروي عن الحسن وابن زيد ، ورجحه ابن كثير .
ولعل ما رجحه ابن كثير هو الأرجح ; لأن تيسير الولادة أمر عام في كل حيوان ، وهو مشاهد ملموس ، فلا مزية للإنسان فيه على غيره ، كما أن ما قبله دال عليه أو على مدلوله وهو القدرة في قوله تعالى : من نطفة خلقه فقدره .
وقد يكون تيسير الولادة داخلا تحت قوله : " فقدره " . أي : قدر تخلقه وزمن وجوده وزمن خروجه ، وتقديرات جسمه وقدر حياته ، وقدر مماته ، كما هو معلوم .
أما تيسير سبيل الدين ، فهو الخاص بالإنسان . وهو المطلوب التوجه إليه . وهو الذي يتعلق بغيره ما بين تخلقه من نطفة وتقديره . وبين إماتته وإقباره . أي : فترة حياته في الدنيا ، أي : خلقه من نطفة وقدر مجيئه إلى الدنيا . ويسر له الدين في التكاليف . ثم أماته ليرى ماذا عمل : ثم إذا شاء أنشره .
ولذا جاء في النهاية بقوله : " كلا لما يقض ما أمره " [ 80 \ 23 ] . وليس هنا ما يدل على الأمر إلا السبيل يسره . والله تعالى أعلم .