لم يبين هنا ماذا ولا كيف فعل ، بمن ذكروا ، وهم : عاد ، وثمود ، وفرعون .
وقد تقدم ذكر ثلاثتهم في سورة " الحاقة " عند قوله تعالى : فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم إلى قوله فأخذهم أخذة رابية [ 69 \ 105 - 10 ] .
والجديد هنا : هو وصف كل من عاد من أنها ذات العماد ، ولم يخلق مثلها في البلاد ، وثمود أنهم جابوا الصخر بالواد ، وفرعون أنه ذو أوتاد .
وقد اختلف في المعنى بهذه الصفات كلها :
أما عاد ، فقيل : العماد عماد بيوت الشعر ، والمراد بها القبيلة . وطول عماد [ ص: 525 ] بيوتها : كناية عن طول أجسامهم ، كما قيل في صخر :
رفيع العماد طويل النجاد
وطول الأجسام يدل على قوة أصحابها .
وقيل : إرم كانت مدينة رفيعة البنيان ، وذكروا في أخبارها قصصا تفوق الخيال ، وأنها في الربع الخالي ، ولكن حيث لم تثبت أخبارها بسند يعول عليه ، ولم يصدقه الواقع ، فقال قوم : قد خسف بها ولم تعد موجودة .
أما ثمود : فقد جابوا ، أي : نحتوا الصخر بالواد ، بواد القرى في مدائن صالح ، وهي بيوتهم موجودة حتى الآن .
وأما فرعون ذو الأوتاد ، فقيل : هي أوتاد الخيام ، كان يتدها لمن يعذبهم .
وقيل : هي كناية عن الجنود يثبت بها ملكه .
وقيل : هي أكمات وأسوار مرتفعات ، يلعب له في مرابعها .
قال ما نصه : حدثنا ابن جرير بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال ثنا سعيد ، عن قتادة : " وفرعون ذي الأوتاد " ، ذكر لنا أنها كانت مطال ، وملاعب يلعب له تحتها من أوتاد وجبال " .
والذي يظهر - والله تعالى أعلم - : أن هذا القول هو الصحيح ، وأنها مرتفعة ، وأنها هي المعروفة الآن بالأهرام بمصر ، ويرجح ذلك عدة أمور :
منها : أنها تشبه الأوتاد في منظرها طرفه إلى أعلى ، إذ القمة شبه الوتد ، مدببة بالنسبة لضخامتها ، فهي بشكل مثلث ، قاعدته إلى أسفل وطرفه إلى أعلى .
ومنها : ذكره مع ثمود الذين جابوا الصخر بالواد ، بجامع مظاهر القوة ، فأولئك نحتوا الصخر بيوتا فارهين ، وهؤلاء قطعوا الصخر الكبير من موطن لا جبال حوله ، مما يدل أنها نقلت من مكان بعيد . والحال أنها قطع كبار صخرات عظام ففي اقتطاعها وفي نقلها إلى محل بنائها ، وفي نفس البناء كل ذلك مما يدل على القوة والجبروت ، وتسخير العباد في ذلك .
ومنها : أن حملها على الأهرام القائمة بالذات والمشاهدة في كل زمان ولكل جيل ، [ ص: 526 ] أوقع في العظة والاعتبار ; بأن من أهلك تلك الأمم ، قادر على إهلاك المكذبين من قريش وغيرهم .
صدق الله العظيم : إن ربك لبالمرصاد [ 89 \ 14 ] .