وقد بين المراد بالعقبة فيما بعد بقوله : وما أدراك ما العقبة [ 90 \ 12 ] ، ثم ذكر تفصيلها .
وقد ذكر أن كل ما جاء بصيغة " وما أدراك " ، فقد جاء تفصيله بعده كقوله تعالى : القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث [ 101 \ 1 - 4 ] ، وما بعدها .
وتقدم عند قوله تعالى : الحاقة ما الحاقة [ 69 \ 1 - 2 ] .
وفي تفسير العقبة بالمذكورات ، فك الرقبة ، وإطعام اليتيم والمسكين ، توجيه إلى ضرورة الإنفاق حقا لا ما يدعيه الإنسان بدون حقيقة في قوله : أهلكت مالا لبدا [ 90 \ 6 ] .
أما : فإنه الإسهام في عتق الرقيق ، والاستقلال في عتقها يعبر عنه بفك النسمة . فك الرقبة
وهذا العنصر من العمل بالغ الأهمية ، حيث قدم في سلم الاقتحام لتلك العقبة .
وقد جاءت السنة ببيان فضل هذا العمل حتى أصبح عتق الرقيق أو فك النسمة ، يعادل به عتق المعتق من النار كل عضو بعضو ، وفيه نصوص عديدة ساقها ابن كثير ، وفي هذا إشعار بحقيقة ، ومدى حرصه وتطلعه إلى تحرير الرقاب . موقف الإسلام من الرق
[ ص: 533 ] فها هو هنا يجعل عتق الرقبة ، سلم اقتحام العقبة ، وجعله عتقا للمعتق من النار كل عضو بعضو . ومعلوم أن كل مسلم يسعى لذلك ، وجعله كفارة لكل يمين وللظهار بين الزوجين ، وكفارة القتل الخطأ ، كل ذلك نوافذ إطلاق الأسارى ، وفك الرقاب في الوقت الذي لم يفتح للاسترقاق إلا باب واحد ، هو الأسر في القتال مع المشركين لا غير ، وهما مما سبق تنبيها عليه ردا على المستشرقين ومن تأثر بهم ; في ادعائهم على الإسلام : أنه متعطش لاسترقاق الأحرار .
وتقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - الكلام على قوله تعالى : إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم [ 17 \ 9 ] في سورة " الإسراء " .
وقوله تعالى : أو إطعام في يوم ذي مسغبة [ 90 \ 14 ] . أي : شدة وجوع . والساغب : الجائع ; قال القرطبي : وأنشد أبو عبيدة :
فلو كنت جارا يا بن قيس لعاصم لما بت شبعانا وجارك ساغبا
أي : لو كنت جارا بحق تعني بحق الجار ، لما حدث لجارك هذا .
وهذا القيد لحال الإطعام ; دليل على قوة الإيمان بالجزاء ، وتقديم ما عند الله ; على ما في قوله تعالى : ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا [ 76 \ 8 ] ، على ما تقدم من أن الضمير في حبه أنه للطعام ، وهذا غالب في حالات الشدة والمسغبة .
وقوله : ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة [ 59 \ 9 ] ، فهي أعلى منازل الفضيلة في الإطعام .