قوله تعالى : من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض [ الآية ] ، صرح في هذه الآية الكريمة أنه كتب على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ، ولم يتعرض هنا لحكم من قتل نفسا بنفس ، أو بفساد في الأرض ، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر ، فبين أن جائز ، في قوله : قتل النفس بالنفس وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس الآية [ 5 \ 45 ] ، وفي قوله : كتب عليكم القصاص في القتلى الآية [ 2 \ 187 ] ، وقوله : ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا الآية [ 17 \ 33 ] .
واعلم أن آيات القصاص في النفس فيها إجمال بينته السنة ، وحاصل تحرير المقام فيها أن إجماعا ، وأن الذكر الحر المسلم يقتل بالذكر الحر المسلم كذلك إجماعا ، وأن المرأة كذلك تقتل بالمرأة إجماعا ، وإنما لم نعتبر قول العبد يقتل كذلك بالعبد عطاء باشتراط تساوي قيمة العبدين ، وهو رواية عن أحمد ، ولا قول : ليس بين العبيد قصاص ، لأنهم أموال ; لأن ذلك كله يرده صريح قوله تعالى : ابن عباس كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد الآية ، وأن ، لأنها إذا قتلت بالمرأة ، فقتلها بالرجل أولى ، وأن المرأة تقتل بالرجل عند جمهور العلماء فيهما . الرجل يقتل بالمرأة
وروي عن جماعة منهم علي ، والحسن ، ، وعثمان البتي وأحمد في رواية عنه أنه لا يقتل بها حتى يلتزم أولياؤها قدر ما تزيد به ديته على ديتها ; فإن لم يلتزموه أخذوا ديتها .
وروي عن علي ، والحسن : أنها إن قتلت رجلا قتلت به ، وأخذ أولياؤه أيضا زيادة ديته على ديتها ، أو أخذوا دية المقتول واستحيوها .
قال القرطبي ، بعد أن ذكر هذا الكلام عن علي رضي الله عنه ، ، وقد أنكر ذلك عنهم أيضا : روى هذا والحسن البصري عن الشعبي علي ، ولا يصح لأن لم يلق الشعبي عليا .
وقد روى الحكم ، عن علي ، وعبد الله ، أنهما قالا : إذا قتل الرجل المرأة متعمدا [ ص: 373 ] فهو بها قود ، وهذا يعارض رواية عن الشعبي علي ; وقال ابن حجر في " فتح الباري " في باب : " سؤال القاتل حتى يقر " والإقرار في الحدود ، بعد أن ذكر القول المذكور عن علي والحسن : ولا يثبت عن علي ، ولكن هو قول أحد فقهاء عثمان البتي البصرة ، ويدل على بطلان هذا القول أنه ذكر فيه ، أن أولياء الرجل إذا قتلته امرأة يجمع لهم بين القصاص ونصف الدية ، وهذا قول يدل الكتاب والسنة على بطلانه ، وأنه إما القصاص فقط ، وإما الدية فقط ; لأنه تعالى قال : كتب عليكم القصاص في القتلى ، ثم قال : فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف الآية ، فرتب الاتباع بالدية على العفو دون القصاص .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : " " الحديث ، وهو صريح في عدم الجمع بينهما ، كما هو واضح عند عامة العلماء ; وحكي عن من قتل له قتيل فهو بخير النظرين أحمد في رواية عنه ، ، وعثمان البتي وعطاء ، أن الرجل لا يقتل بالمرأة ، بل تجب الدية ، قاله ابن كثير ، وروي عن الليث ، أنها إن كانت زوجته لم يقتل بها ، وإن كانت غير زوجته قتل بها . والزهري
والتحقيق قتله بها مطلقا ; كما سترى أدلته ، فمن الأدلة على قتل الرجل بالمرأة إجماع العلماء على أن الصحيح السليم الأعضاء إذا قتل أعور أو أشل ، أو نحو ذلك عمدا ، وجب عليه القصاص ، ولا يجب لأوليائه شيء في مقابلة ما زاد به من الأعضاء السليمة على المقتول .
ومن الأدلة على قتل الرجل بالمرأة ، ما ثبت في الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - من حديث أنس : " " ، وهذا الحديث استدل به العلماء على قتل الذكر بالأنثى ، وعلى وجوب القصاص في القتل بغير المحدد ، والسلاح . أنه - صلى الله عليه وسلم - رض رأس يهودي بالحجارة قصاصا بجارية فعل بها كذلك
وقال البيهقي في " السنن الكبرى " في باب " قتل الرجل بالمرأة " : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، ثنا ، ثنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري أبو عبد الله محمد بن إبراهيم العبدي ، ثنا ، ثنا الحكم بن موسى القنطري ، عن يحيى بن حمزة سليمان بن داود ، عن ، عن الزهري ، عن أبيه ، عن جده ، أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم اليمن بكتاب فيه الفرائض ، والسنن ، والديات ، وبعث به مع عمرو بن حزم ، وكان فيه ، وإن الرجل يقتل بالمرأة " . عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أنه كتب إلى أهل
[ ص: 374 ] وروى هذا الحديث موصولا أيضا ، النسائي ، وابن حبان والحاكم ، وفي تفسير ابن كثير ما نصه : وفي الحديث الذي رواه ، وغيره : " النسائي عمرو بن حزم أن الرجل يقتل بالمرأة " ، وكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب في كتاب لعمرو بن حزم الذي فيه أن الرجل يقتل بالمرأة ، رواه مالك ، ، ورواه أيضا والشافعي ، الدارقطني وأبو داود ، وابن حبان ، والحاكم ، ، وكلام علماء الحديث في كتاب والدارمي عمرو بن حزم هذا مشهور بين مصحح له ، ومضعف ; وممن صححه : ، ابن حبان والحاكم ، والبيهقي ، وعن أحمد أنه قال : أرجو أن يكون صحيحا . وصححه أيضا - من حيث الشهرة ، لا من حيث الإسناد - جماعة منهم فإنه قال : لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . الشافعي
وقال : هو كتاب مشهور عند أهل السير ، معروف ما فيه عند أهل العلم ، يستغني بشهرته عن الإسناد ; لأنه أشبه المتواتر لتلقي الناس له بالقبول ، قال : ويدل على شهرته ما روى ابن عبد البر ابن وهب ، عن مالك ، عن ، عن الليث بن سعد يحيى بن سعد ، عن قال : وجد كتاب عند آل حزم يذكرون أنه كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال سعيد بن المسيب : هذا حديث ثابت محفوظ ، وقال العقيلي : لا أعلم في جميع الكتب المنقولة كتابا أصح من كتاب يعقوب بن سفيان عمرو بن حزم هذا ، فإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ، يرجعون إليه ، ويدعون رأيهم .
وقال الحاكم : قد شهد ، وإمام عصره عمر بن عبد العزيز بالصحة لهذا الكتاب ، ثم ساق ذلك بسنده إليهما ، وضعف كتاب الزهري هذا جماعة ، وانتصر لتضعيفه ابن حزم في محلاه . أبو محمد بن حزم
والتحقيق : صحة الاحتجاج به ; لأنه ثبت أنه كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتبه ليبين به أحكام الديات ، والزكوات ، وغيرها ، ونسخته معروفة في كتب الفقه .
والحديث : ولا سيما عند من يحتج بالمرسل كمالك ، وأبي حنيفة ، وأحمد في أشهر الروايات .
ومن أدلة قتله بها عموم حديث : " " الحديث ، وسيأتي البحث فيه إن شاء الله ، ومن أوضح الأدلة في قتل الرجل بالمرأة قوله تعالى : المسلمون تتكافأ دماؤهم وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس الآية [ 5 \ 45 ] ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " " الحديث ، أخرجه الشيخان ، وباقي الجماعة ، من حديث لا يحل دم امرئ مسلم [ ص: 375 ] يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس - رضي الله عنه . عبد الله بن مسعود
فعموم هذه الآية الكريمة ، وهذا الحديث الصحيح يقتضي قتل الرجل بالمرأة ، لأنه نفس بنفس ، ولا يخرج عن هذا العموم ، إلا ما أخرجه دليل صالح لتخصيص النص به ، نعم يتوجه على هذا الاستدلال سؤالان :
الأول : ما وجه الاستدلال بقوله تعالى : وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس الآية ، مع أنه حكاية عن قوم موسى ، والله تعالى يقول : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا [ 5 \ 48 ] .
السؤال الثاني : لم لا يخصص عموم قتل النفس بالنفس في الآية والحديث المذكورين بقوله تعالى : الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى [ 2 \ 178 ] ; لأن هذه الآية أخص من تلك ، لأنها فصلت ما أجمل في الأولى ، ولأن هذه الأمة مخاطبة بها صريحا في قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر الآية .
الجواب عن السؤال الأول : أن التحقيق الذي عليه الجمهور ، ودلت عليه نصوص الشرع : أن كل ما ذكر لنا في كتابنا ، وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - مما كان شرعا لمن قبلنا أنه يكون شرعا لنا ، من حيث إنه وارد في كتابنا ، أو سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - لا من حيث إنه كان شرعا لمن قبلنا ; لأنه ما قص علينا في شرعنا إلا لنعتبر به ، ونعمل بما تضمن .
والنصوص الدالة على هذا كثيرة جدا ، ولأجل هذا أمر الله في القرآن العظيم في غير ما آية بالاعتبار بأحوالهم ، ووبخ من لم يعقل ذلك ، كما في قوله تعالى في قوم لوط : وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون [ 37 \ 137 ، 138 ] .
في قوله : أفلا تعقلون توبيخ لمن مر بديارهم ، ولم يعتبر بما وقع لهم ، ويعقل ذلك ليجتنب الوقوع في مثله ، وكقوله تعالى : أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم ، ثم هدد الكفار بمثل ذلك ، فقال : وللكافرين أمثالها [ 47 \ 10 ] .
[ ص: 376 ] وقال في حجارة قوم لوط التي أهلكوا بها ، أو ديارهم التي أهلكوا فيها : وما هي من الظالمين ببعيد [ 11 \ 83 ] ، وهو تهديد عظيم منه تعالى لمن لم يعتبر بحالهم ، فيجتنب ارتكاب ما هلكوا بسببه ، وأمثال ذلك كثير في القرآن .
وقال تعالى : لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب [ 12 \ 111 ] ، فصرح بأنه يقص قصصهم في القرآن للعبرة ، وهو دليل واضح لما ذكرنا ، ولما ذكر الله تعالى من ذكر من الأنبياء في سورة الأنعام ، قال لنبينا - صلى الله عليه وسلم - : أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده [ 6 \ 90 ] ، وأمره - صلى الله عليه وسلم - أمر لنا ; لأنه قدوتنا ، ولأن الله تعالى يقول : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة الآية [ 33 \ 21 ] ، ويقول : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني الآية [ 3 \ 31 ] ، ويقول : وما آتاكم الرسول فخذوه الآية [ 59 \ 7 ] .
ويقول : من يطع الرسول فقد أطاع الله الآية [ 4 \ 80 ] ، ومن طاعته اتباعه فيما أمر به كله ، إلا ما قام فيه دليل على الخصوص به - صلى الله عليه وسلم - وكون ، إلا بدليل على النسخ هو مذهب الجمهور ، منهم شرع من قبلنا الثابت بشرعنا شرعا لنا مالك ، وأبو حنيفة ، وأحمد في أشهر الروايتين ، وخالف الإمام - رحمه الله - في أصح الروايات عنه ، فقال : إن شرع من قبلنا الثابت بشرعنا ليس شرعا لنا ، إلا بنص من شرعنا على أنه مشروع لنا ، وخالف أيضا في الصحيح عنه في أن الخطاب الخاص بالرسول - صلى الله عليه وسلم - يشمل حكمه الأمة ; واستدل للأول بقوله تعالى : الشافعي لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ، وللثاني : بأن الصيغة الخاصة بالرسول لا تشمل الأمة وضعا ، فإدخالها فيها صرف للفظ عن ظاهره ، فيحتاج إلى دليل منفصل ، وحمل الهدى في قوله : فبهداهم اقتده ، والدين في قوله : شرع لكم من الدين الآية [ 42 \ 13 ] على خصوص الأصول التي هي التوحيد دون الفروع العملية ; لأنه تعالى قال في العقائد : وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون [ 21 \ 25 ] ، وقال : ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت [ 16 \ 36 ] ، وقال : واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون [ 43 \ 45 ] .
وقال في الفروع العملية : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ، فدل ذلك على اتفاقهم في الأصول ، واختلافهم في الفروع ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : " " ، أخرجه إنا معشر الأنبياء إخوة لعلات ديننا واحد في صحيحه ، من حديث البخاري - رضي الله [ ص: 377 ] عنه . أبي هريرة
قال مقيده - عفا الله عنه - وغفر له : أما حمل الهدى في آية فبهداهم اقتده ، والدين في آية شرع لكم من الدين ، على سبيل التوحيد دون الفروع العملية ، فهو غير مسلم ، أما الأول فلما أخرجه في صحيحه ، في تفسير سورة " ص " ، عن البخاري مجاهد : " : من أين أخذت السجدة في " ص " ، فقال : أو ما تقرأ : ابن عباس ومن ذريته داود ، إلى قوله تعالى : أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده [ 6 \ 84 و 90 ] ، فسجدها داود ، فسجدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . أنه سأل
فهذا نص صحيح صريح عن ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدخل سجود التلاوة في الهدى في قوله : ابن عباس فبهداهم اقتده ، ومعلوم أن سجود التلاوة فرع من الفروع لا أصل من الأصول .
وأما الثاني : فلأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صرح في حديث جبريل الصحيح المشهور أن اسم ، حيث قال : " الدين يتناول الإسلام ، والإيمان ، والإحسان جبريل أتاكم يعلمكم دينكم هذا " ، وقال تعالى : إن الدين عند الله الإسلام [ 3 \ 19 ] ، وقال : ومن يبتغ غير الإسلام دينا [ 3 \ 85 ] .
وصرح - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المذكور بأن ، كالصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، وفي حديث الإسلام يشمل الأمور العملية المتفق عليه : " ابن عمر " الحديث ، ولم يقل أحد إن الإسلام هو خصوص العقائد ، دون الأمور العملية ، فدل على أن الدين لا يختص بذلك في قوله : بني الإسلام على خمس شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا الآية ، وهو ظاهر جدا ; لأن خير ما يفسر به القرآن هو كتاب الله ، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
وأما الخطاب الخاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في نحو قوله : فبهداهم اقتده ، فقد دلت النصوص على شمول حكمه للأمة ، كما في قوله تعالى : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة الآية ، إلى غيرها مما تقدم من الآيات ، وقد علمنا ذلك من استقراء القرآن العظيم حيث يعبر فيه دائما بالصيغة الخاصة به - صلى الله عليه وسلم - ثم يشير إلى أن المراد عموم حكم الخطاب للأمة ، كقوله في أول سورة الطلاق : ياأيها النبي [ 65 \ 1 ] ، ثم قال : إذا طلقتم النساء الآية ، فدل على دخول الكل حكما تحت قوله : ياأيها النبي ، وقال في سورة التحريم : ياأيها النبي لم تحرم [ 66 \ 1 ] ، ثم قال : قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم [ 66 \ 2 ] ; [ ص: 378 ] فدل على عموم حكم الخطاب بقوله : يا أيها النبي ، ونظير ذلك أيضا في سورة الأحزاب ، في قوله تعالى : ياأيها النبي اتق الله [ 33 \ 1 ] ، ثم قال : إن الله كان بما تعملون خبيرا [ 4 \ 94 ] ، فقوله : بما تعملون ، يدل على عموم الخطاب بقوله : يا أيها النبي ، وكقوله : وما تكون في شأن [ 10 \ 61 ] ، ثم قال : ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا الآية .
ومن أصرح الأدلة في ذلك آية الروم ، وآية الأحزاب ، أما آية الروم فقوله تعالى : فأقم وجهك للدين حنيفا [ 30 \ 30 ] ، ثم قال : منيبين إليه [ 30 \ 31 ] ، وهو حال من ضمير الفاعل المستتر ، المخاطب به النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله : فأقم وجهك ، الآية .
وتقرير المعنى : فأقم وجهك يا نبي الله ، في حال كونكم منيبين ، فلو لم تدخل الأمة حكما في الخطاب الخاص به - صلى الله عليه وسلم - لقال : منيبا إليه ، بالإفراد ، لإجماع أهل اللسان العربي على أن الحال الحقيقية ، أعني التي لم تكن سببية ، تلزم مطابقتها لصاحبها ، إفرادا ، وجمعا ، وتثنية ، وتأنيثا ، وتذكيرا ، فلا يجوز أن تقول : جاء زيد ضاحكين ، ولا جاءت هند ضاحكات ، وأما آية الأحزاب ، فقوله تعالى في قصة رضي الله عنها : زينب بنت جحش الأسدية فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها [ 33 \ 37 ] ، فإن هذا الخطاب خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - .