وأما فجمهور العلماء على منعه ، منهم قتل المسلم بالكافر مالك ، ، والشافعي وأحمد ، وروي ذلك عن عمر ، وعثمان ، وعلي ، ، وزيد بن ثابت ومعاوية - رضي الله عنهم - وبه قال ، عمر بن عبد العزيز وعطاء ، وعكرمة ، والحسن ، ، والزهري ، وابن شبرمة ، والثوري ، والأوزاعي وإسحاق ، وأبو عبيد ، ، وأبو ثور وابن المنذر ، كما نقله عنهم في " المغني " وغيره ، ورواه ابن قدامة البيهقي عن عمر ، وعلي ، وعثمان وغيرهم .
وذهب أبو حنيفة ، والنخعي ، إلى أن المسلم يقتل بالذمي ، واستدلوا بعموم النفس بالنفس في الآية والحديث المتقدمين ، وبالحديث الذي رواه والشعبي ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ابن البيلماني ، عن : " ابن عمر " ، [ ص: 389 ] وهو مرسل من الصحابة ضعيف ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل مسلما بمعاهد فابن البيلماني لا يحتج به لو وصل ، فكيف وقد أرسل ، وترجم البيهقي في " السنن الكبرى " لهذا الحديث بقوله : باب " بيان ضعف الخبر الذي روي في قتل المؤمن بالكافر ، وما جاء عن الصحابة في ذلك " ، وذكر طرقه ، وبين ضعفها كلها .
ومن جملة ما قال : أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه ، قال : قال : أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني الحافظ ابن البيلماني ضعيف لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث ، فكيف بما يرسله ، والله أعلم .
وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى : الحر بالحر والعبد بالعبد الآية ، ما نصه : ولا يصح لهم ما رووه من حديث ربيعة " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل يوم خيبر مسلما بكافر " لأنه منقطع ، ومن حديث ابن البيلماني ، وهو ضعيف ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوعا ، قال : لم يسنده غير الدارقطني ، وهو متروك الحديث . إبراهيم بن أبي يحيى
والصواب عن ربيعة ، عن ابن البيلماني مرسل ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن البيلماني ضعيف الحديث ، لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث ، فكيف بما يرسله ، فإذا عرفت ضعف الاستدلال على قتل المسلم بالكافر ، فاعلم أن كونه لا يقتل به ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثبوتا لا مطعن فيه مبينا بطلان تلك الأدلة التي لا يعول عليها .
فقد أخرج في صحيحه في باب " كتابة العلم " ، وفي باب " لا يقتل المسلم بالكافر " ، البخاري أبا جحيفة سأل عليا رضي الله عنه : هل عندكم شيء مما ليس في القرآن ؟ فقال : لا ، والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، إلا فهما يعطيه الله رجلا في كتابه ، وما في هذه الصحيفة ، قلت : وما في الصحيفة ؟ ، قال : العقل ، وفكاك الأسير ، وألا يقتل مسلم بكافر . أن
فهذا نص صحيح ، قاطع للنزاع ، مخصص لعموم النفس بالنفس ، مبين عدم صحة الأخبار المروية بخلافه ، ولم يصح في الباب شيء يخالفه ، قال ابن كثير في تفسيره بعد أن ساق حديث علي هذا : ولا يصح حديث ، ولا تأويل يخالف هذا ، وقال القرطبي في تفسيره قلت : فلا يصح في الباب إلا حديث ، وهو يخصص عموم قوله تعالى : البخاري كتب عليكم القصاص في القتلى الآية ، وعموم قوله تعالى : أن النفس بالنفس [ 5 \ 45 ] ، فهذا الذي ذكرنا في هذا المبحث هو تحقيق المقام في حكم [ ص: 390 ] . القصاص في الأنفس بين الذكور والإناث ، والأحرار والعبيد ، والمسلمين والكفار
وأما حكم القصاص بينهم في الأطراف ، فجمهور العلماء على أنه تابع للقصاص في الأنفس ; فكل شخصين يجري بينهما القصاص في النفس ، فإنه يجري بينهما في الأطراف ، فيقطع الحر المسلم بالحر المسلم ، والعبد بالعبد ، والذمي بالذمي ، والذكر بالأنثى ، والأنثى بالذكر ، ويقطع الناقص بالكامل ، كالعبد بالحر ، والكافر بالمسلم .
ومشهور مذهب مالك أن الناقص لا يقتص منه للكامل في الجراح ، فلا يقتص من عبد جرح حرا ، ولا من كافر جرح مسلما ، وهو مراد خليل بن إسحاق المالكي بقوله في " مختصره " : والجرح كالنفس في الفعل ، والفاعل والمفعول ، إلا ناقصا جرح كاملا ، يعني فلا يقتص منه له ، ورواية ابن القصار عن مالك وجوب القصاص وفاقا للأكثر ، ومن لا يقتل بقتله ، لا يقطع طرفه بطرفه ، فلا يقطع مسلم بكافر ، ولا حر بعبد ، وممن قال بهذا مالك ، ، والشافعي وأحمد ، ، والثوري ، وأبو ثور وإسحاق ، وابن المنذر ، كما نقله عنهم صاحب " المغني " ، وغيره .
وقال أبو حنيفة : لا قصاص في الأطراف بين مختلفي البدل ، فلا يقطع الكامل بالناقص ، ولا الناقص بالكامل ، ولا الرجل بالمرأة ، ولا المرأة بالرجل ، ولا الحر بالعبد ، ولا العبد بالحر .
ويقطع المسلم بالكافر ، والكافر بالمسلم ; لأن التكافؤ معتبر في الأطراف ، بدليل أن الصحيحة لا تؤخذ بالشلاء ، ولا الكاملة بالناقصة ، فكذلك لا يؤخذ طرف الرجل بطرف المرأة ، ولا يؤخذ طرفها بطرفه ، كما لا تؤخذ اليسرى باليمنى .
وأجيب من قبل الجمهور ، بأن من يجري بينهما القصاص في النفس ، يجري في الطرف بينهما ، كالحرين ، وما ذكره المخالف يبطل بالقصاص في النفس ، فإن التكافؤ فيه معتبر ; بدليل أن المسلم لا يقتل بمستأمن ، ثم يلزمه أن يأخذ الناقصة بالكاملة ; لأن المماثلة قد وجدت ، ومعها زيادة ، فوجب أخذها بها إذا رضي المستحق ، كما تؤخذ ناقصة الأصابع بكاملة الأصابع .
وأما اليسار واليمين ، فيجريان مجرى النفس لاختلاف محليهما ، ولهذا استوى بدلهما ، فعلم أنها ليست ناقصة عنها شرعا ، وأن العلة فيهما ليست كما ذكر المخالف ، قاله ابن قدامة في " المغني " .
[ ص: 391 ] ومن الدليل على ، بين من جرى بينهم في الأنفس ، قوله تعالى : جريان القصاص في الأطراف وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص [ 5 \ 45 ] .
وما روي عن من أنه الإمام أحمد ، وهو قول لا قصاص بين العبيد ، فيما دون النفس ، الشعبي ، والثوري والنخعي ، وفاقا لأبي حنيفة ; معللين بأن أطراف العبيد مال كالبهائم يرد عليه بدليل الجمهور الذي ذكرنا آنفا ، وبأن أنفس العبيد مال أيضا كالبهائم ، مع تصريح الله تعالى بالقصاص فيها في قوله تعالى : والعبد بالعبد .
واعلم أنه : يشترط للقصاص فيما دون النفس ، ثلاثة شروط
الأول : كونه عمدا ، وهذا يشترط في قتل النفس بالنفس أيضا .
الثاني : كونهما يجري بينهما القصاص في النفس .
الثالث : إمكان الاستيفاء من غير حيف ، ولا زيادة ; لأن الله تعالى يقول : وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به الآية [ 16 \ 126 ] ، ويقول : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم [ 2 \ 194 ] ، فإن لم يمكن استيفاؤه من غير زيادة سقط القصاص ، ووجبت الدية ، ولأجل هذا أجمع العلماء على أن ما يمكن استيفاؤه من غير حيف ، ولا زيادة ، فيه القصاص المذكور في الآية في قوله تعالى : والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن ، وكالجراح التي تكون في مفصل ، كقطع اليد ، والرجل من مفصليهما .
واختلفوا في قطع العضو من غير مفصل ، بل من نفس العظم ، فمنهم من أوجب فيه القصاص ; نظرا إلى أنه يمكن من غير زيادة ، وممن قال بهذا مالك ، فأوجب القصاص في ، إلا فيما يخشى منه الموت ، كقطع الفخذ ، وغيرها . قطع العظم من غير المفصل
وقال : لا يجب القصاص في شيء من العظام مطلقا ، وهو مروي عن الشافعي ، عمر بن الخطاب ، وبه يقول وابن عباس عطاء ، ، والشعبي ، والحسن البصري ، والزهري ، وإبراهيم النخعي ، وإليه ذهب وعمر بن عبد العزيز ، سفيان الثوري ، وهو مشهور مذهب والليث بن سعد ، كما نقله عنهم الإمام أحمد ابن كثير ، وغيره .
وقال أبو حنيفة وصاحباه : لا يجب القصاص في شيء من العظام ، إلا في السن .
[ ص: 392 ] واستدل من قال بأنه لا قصاص في قطع العظم من غير المفصل ، بما رواه من طريق ابن ماجه ، عن أبي بكر بن عياش دهثم بن قران ، عن نمران بن جارية ، عن أبيه جارية بن ظفر الحنفي ، . أن رجلا ضرب رجلا على ساعده بالسيف من غير المفصل فقطعها ، فاستعدى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر له بالدية ، فقال : يا رسول الله أريد القصاص ، فقال : " خذ الدية بارك الله لك فيها " ولم يقض له بالقصاص
قال : ليس لهذا الحديث غير هذا الإسناد ، ابن عبد البر ودهثم بن قران العكلي ضعيف أعرابي ليس حديثه مما يحتج به ، ونمران بن جارية ضعيف أعرابي أيضا ، وأبوه جارية بن ظفر مذكور في الصحابة ، اهـ . من ابن كثير .
وقال ابن حجر في " التقريب " في دهثم المذكور : متروك ، وفي نمران المذكور : مجهول ، واختلاف العلماء في ذلك ، إنما هو من اختلافهم في تحقيق مناط المسألة ، فالذين يقولون بالقصاص ، يقولون : إنه يمكن من غير حيف ، والذين يقولون بعدمه ، يقولون : لا يمكن إلا بزيادة ، أو نقص ، وهم الأكثر .
ومن هنا منع العلماء ، كما بعد الموضحة من منقلة أطارت بعض عظام الرأس ، أو مأمومة وصلت إلى أم الدماغ ، أو دامغة خرقت خريطته ، وكالجائفة ، وهي التي نفذت إلى الجوف ، ونحو ذلك للخوف من الهلاك . القصاص ، فيما يظن به الموت
وأنكر الناس على ابن الزبير القصاص في المأمومة . وقالوا : ما سمعنا بأحد قاله قبله ، واعلم أن العين الصحيحة لا تؤخذ بالعوراء ، واليد الصحيحة لا تؤخذ بالشلاء ، ونحو ذلك ، كما هو ظاهر .