قوله تعالى : إنما حرم عليكم الميتة والدم الآية .
هذه الآية تدل بظاهرها على أن جميع أنواع الدم حرام ، ومثلها قوله تعالى في سورة " النحل " : إنما حرم عليكم الميتة والدم الآية [ 16 115 ] .
وقد ذكر في آية أخرى ما يدل على أن الدم لا يحرم إلا إذا كان مسفوحا ، وهي قوله تعالى في سورة " الأنعام " : إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا الآية [ 6 \ 145 ] .
والجواب أن هذه المسألة من مسائل تعارض المطلق والمقيد ، والجاري على أصول مالك والشافعي وأحمد لا سيما مع اتحاد الحكم والسبب ، كما هنا ، وسواء عندهم تأخر المطلق عن المقيد كما هنا أو تقدم ، وإنما قلنا هنا إن المطلق متأخر عن المقيد ، لأن القيد في سورة " الأنعام " ، وهي نزلت قبل " النحل " مع أنهما مكيتان إلا آيات معروفة ، والدليل على أن " الأنعام " قبل " النحل " ، قوله تعالى في " النحل " : حمل المطلق على المقيد وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك الآية [ 16 \ 118 ] ، والمراد به ما قص [ ص: 219 ] عليه في " الأنعام " بقوله : وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر الآية [ 6 146 ] .
وأما كون " الأنعام " نزلت قبل " البقرة " و " المائدة " فواضح ، لأن " الأنعام " مكية بالإجماع إلا آيات منها ، و " البقرة " مدنية بالإجماع و " المائدة " من آخر ما نزل من القرآن ولم ينسخ منها شيء لتأخرها .
وعلى هذا فالدم إذا كان غير مسفوح كالحمرة التي تظهر في القدر من أثر تقطيع اللحم فهو ليس بحرام لحمل المطلق على المقيد ، وعلى هذا كثير من العلماء ، وما ذكرنا من عدم النسخ في " المائدة " ، قال به جماعة وهو على القول بأن قوله تعالى : فإن جاءوك فاحكم بينهم الآية [ 5 42 ] .
وقوله : أو آخران من غيركم [ 5 106 ] غير منسوخين صحيح ، وعلى القول بنسخهما لا يصح على الإطلاق ، والعلم عند الله تعالى .