قوله تعالى : أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة الآية .
هذه الآية تدل بظاهرها على أن الله لا يكلم الكفار يوم القيامة ، لأن قوله تعالى : ولا يكلمهم فعل في سياق النفي ، وقد تقرر في علم الأصول أن الفعل في سياق النفي من صيغ العموم ، وسواء كان الفعل متعديا أو لازما على التحقيق ، خلافا القائل بعمومه في المتعدي دون اللازم ، وخلاف الإمام للغزالي أبي حنيفة رحمه الله في ذلك خلاف في حال لا في حقيقة لأنه يقول : إن الفعل في سياق النفي ليس صيغة للعموم ، ولكنه يدل عليه بالالتزام ، أي لأنه يدل على نفي الحقيقة ونفيها يلزمه نفي جميع الأفراد .
فقوله : لا أكلت مثلا ينفي حقيقة أكل فيلزمه نفي جميع أفراده ، وإيضاح عموم الفعل في سياق النفي أن الفعل ينحل عن مصدر وزمن عند النحويين ، وعن مصدر وزمن ونسبة عند بعض البلاغيين ، فالمصدر داخل في معناه إجماعا ، فالنفي داخل على الفعل ينفي المصدر الكامن في الفعل فيؤول إلى معنى النكرة في سياق النفي .
ومن العجيب أن رحمه الله يوافق الجمهور على أن الفعل في سياق النفي إن أكد بمصدر نحو لا شربت شربا مثلا أفاد العموم ، مع أنه لا يوافق على إفادة النكرة في سياق النفي للعموم . أبا حنيفة
[ ص: 220 ] وقد جاءت آيات أخر تدل على أن الله يكلم الكفار يوم القيامة كقوله تعالى : ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسئوا فيها ولا تكلمون [ 23 \ 107 - 108 ] .
والجواب عن هذا بأمرين :
الأول : وهو الحق ، أن الكلام الذي نفى الله أنه يكلمهم به هو الكلام الذي فيه خير ، وأما التوبيخ والتقريع والإهانة ، فكلام الله لهم به من جنس عذابه لهم ، ولم يقصد بالنفي في قوله : " ولا يكلمهم " .
الثاني : أنه لا يكلمهم أصلا وإنما تكلمهم الملائكة بإذنه وأمره .