أخبر تعالى المؤمنين في هذه الآية الكريمة أنهم إن ارتد بعضهم فإن الله يأتي عوضا عن ذلك المرتد بقوم من صفاتهم الذل للمؤمنين ، والتواضع لهم ، ولين الجانب ، والقسوة والشدة على الكافرين ، وهذا من كمال صفات المؤمنين ، وبهذا أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - فأمره بلين الجانب للمؤمنين ، بقوله : واخفض جناحك للمؤمنين [ 15 \ 88 ] ، وقوله : واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين [ 26 \ 215 ] ، وأمره بالقسوة على غيرهم بقوله : ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير [ 9 \ 73 ] ، وأثنى تعالى على نبيه باللين للمؤمنين في قوله : فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك الآية [ 3 \ 159 ] ، وصرح بأن ذلك المذكور من اللين للمؤمنين ، والشدة على الكافرين ، من صفات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم ، بقوله : محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم [ 48 \ 29 ] .
[ ص: 416 ] وقد قال الشاعر في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ الطويل ]
وما حملت من ناقة فوق رحلها أبر وأوفى ذمة من محمد وأعطى إذا ما طالب العرف جاءه
وأمضى بحد المشرفي المهند
وقال الآخر فيه : [ الطويل ]
وما حملت من ناقة فوق رحلها أشد على أعدائه من محمد
ويفهم من هذه الآيات أن المؤمن يجب عليه أن لا يلين إلا في الوقت المناسب للين ، وألا يشتد إلا في الوقت المناسب للشدة ، لأن اللين في محل الشدة ضعف ، وخور ، والشدة في محل اللين حمق ، وخرق ، وقد قال : [ الطويل ] أبو الطيب المتنبي
إذا قيل حلم قل فللحلم موضع وحلم الفتى في غير موضعه جهل