سورة الكهف
قوله تعالى : إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا .
هذه الآية تدل بظاهرها على أن المكره على الكفر لا يفلح أبدا .
وقد جاءت آية أخرى تدل على أن ، وهي قوله تعالى : المكره على الكفر معذور إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا [ 16 : 106 ] .
والجواب عن هذا من وجهين :
الأول : أن رفع المؤاخذة مع الإكراه من خصائص هذه الأمة فهو داخل في قوله تعالى : ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم [ 7 \ 157 ] ، ويدل لهذا قوله صلى الله عليه وسلم : فهو يدل بمفهومه على خصوصه بأمته صلى الله عليه وسلم . إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه
وليس مفهوم لقب لأن مناط التخصيص هو اتصافه بالأفضلية على من قبله من الرسل ، واتصاف أمته بها على من قبلها من الأمم ، والحديث وإن أعله أحمد فقد تلقاه العلماء قديما وحديثا بالقبول ، ومن أصرح الأدلة في أن من قبلنا ليس لهم عذر بالإكراه حديث وابن أبي حاتم في الذي دخل النار في ذباب قربه لصنم ، مع أنه قربه ليتخلص من شر عبدة الصنم ، وصاحبه الذي امتنع من ذلك قتلوه فعلم أنه لو لم يفعل لقتلوه كما قتلوا صاحبه ، ولا إكراه أكبر من خوف القتل ، ومع هذا دخل النار ولم ينفعه الإكراه ، وظواهر الآيات تدل على ذلك ، فقوله : ولن تفلحوا إذا أبدا . ظاهر في عدم فلاحهم مع الإكراه ، لأن قوله : طارق بن شهاب يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ، صريح في [ ص: 331 ] الإكراه ، وقوله : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [ 2 : 286 ] مع أنه تعالى قال : " قد فعلت " ، كما ثبت في صحيح مسلم ، يدل بظاهره على أن التكليف بذلك كان معهودا قبل ، وقوله تعالى : ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي [ 20 \ 115 ] مع قوله : وعصى آدم ربه [ 20 \ 121 ] ، فأسند إليه النسيان والعصيان معا ، يدل على ذلك أيضا ، وعلى القول بأن المراد بالنسيان الترك ، فلا دليل في الآية .
وقوله : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، مع قوله : كما حملته على الذين من قبلنا [ 2 \ 286 ] ، ويستأنس لهذا بما ذكره البغوي في تفسيره عن الكلبي من أن المؤاخذة بالنسيان كانت من الإصر على من قبلنا ، وكان عقابها يعجل لهم في الدنيا فيحرم عليهم بعض الطيبات ، وقال بعض العلماء : إن الإكراه عذر لمن قبلنا ، وعليه فالجواب هو :
الوجه الثاني : أن الإكراه على الكفر قد يكون سببا لاستدراج الشيطان إلى استحسانه والاستمرار عليه ، كما يفهم من مفهوم قوله تعالى : وقلبه مطمئن بالإيمان [ 16 \ 106 ] وإلى هذا الوجه جنح صاحب روح المعاني ، والأول أظهر عندي وأوضح ، والله تعالى أعلم .
قوله تعالى : فأردت أن أعيبها .
هذه الآية تدل على أن عيبها يكون سببا لترك الملك الغاصب لها ، ولذلك خرقها الخضر ، وعموم قوله : وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا [ 18 \ 79 ] يقتضي أخذ الملك للمعيبة والصحيحة معا .
والجواب أن في الكلام حذف الصفة ، وتقديره كل سفينة صالحة صحيحة ، وحذف النعت إذا دل المقام عليه جائز ، كما أشار له ابن مالك في الخلاصة بقوله :
وما من المنعوت والنعت عقل يجوز حذفه وفي النعت يقل
ومن شواهد حذف الصفة قول الشاعر :ورب أسيلة الخدين بكر مهفهفة لها فرع وجيد
[ ص: 332 ] وقول عبيد بن الأبرص الأسيدي :
من قوله قول ومن فعله فعل ومن نائله نائل