وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون الآية . قوله تعالى :
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن بني إسرائيل عموا وصموا مرتين ، تتخللهما [ ص: 418 ] توبة من الله عليهم ، وبين تفصيل ذلك في قوله : وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين الآية [ 17 \ 4 ] ، فبين جزاء عماهم ، وصممهم في المرة الأولى بقوله : فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد الآية [ 17 \ 5 ] ، وبين جزاء عماهم وصممهم في المرة الآخرة بقوله : فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ، وبين التوبة التي بينهما بقوله : ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ، ثم بين أنهم إن عادوا إلى الإفساد عاد إلى الانتقام منهم بقوله : وإن عدتم عدنا ، فعادوا إلى الإفساد بتكذيبه - صلى الله عليه وسلم - وكتم صفاته التي في التوراة ، فعاد الله إلى الانتقام منهم ، فسلط عليهم نبيه - صلى الله عليه وسلم - فذبح مقاتلة بني قريظة ، وسبى نساءهم ، وذراريهم ، وأجلى بني قينقاع ، وبني النضير ، كما ذكر تعالى طرفا من ذلك في سورة الحشر ، وهذا البيان الذي ذكرنا في هذه الآية ذكره بعض المفسرين ، وكثير منهم لم يذكره ، ولكن ظاهر القرآن يقتضيه ; لأن السياق في ذكر أفعالهم القبيحة الماضية ، من قتل الرسل ، وتكذيبهم ، إذ قبل الآية المذكورة : كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون [ 5 \ 70 ] .
ومعنى وحسبوا ألا تكون فتنة [ 5 \ 71 ] ، ظنوا ألا يصيبهم بلاء وعذاب من الله ، بسبب كفرهم ، وقتلهم الأنبياء ، لزعمهم الباطل ، أنهم أبناء الله وأحباؤه ، وقوله : كثير منهم ، أحسن أوجه الإعراب فيه ; أنه بدل من واو الفاعل في قوله : عموا وصموا ، كقولك : جاء القوم أكثرهم ، وقوله : ألا تكون فتنة ، قرأه حمزة ، ، والكسائي وأبو عمرو بالرفع ، والباقون بالنصب ، فوجه قراءة النصب ظاهر ; لأن الحسبان بمعنى الظن ، ووجه قراءة الرفع ، تنزيل اعتقادهم لذلك ، ولو كان باطلا ، منزلة العلم ، فتكون أن مخففة من الثقيلة ، والعلم عند الله تعالى .