المسألة التاسعة : اعلم أن الصيد ينقسم إلى قسمين :
nindex.php?page=treesubj&link=3794قسم له مثل من النعم كبقرة الوحش ، وقسم لا مثل له من النعم كالعصافير .
وجمهور العلماء يعتبرون المثلية بالمماثلة في الصورة والخلقة ، وخالف الإمام
أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - الجمهور ، فقال : إن المماثلة معنوية ، وهي القيمة ، أي قيمة الصيد في المكان الذي قتله فيه ، أو أقرب موضع إليه إن كان لا يباع الصيد في موضع قتله ، فيشتري بتلك القيمة هديا إن شاء ، أو يشتري بها طعاما ، ويطعم المساكين كل
[ ص: 443 ] مسكين نصف صاع من بر ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر .
واحتج
أبو حنيفة - رحمه الله - بأنه لو كان الشبه من طريق الخلقة والصورة معتبرا في النعامة بدنة ، وفي الحمار بقرة ، وفي الظبي شاة ; لما أوقفه على عدلين يحكمان به ; لأن ذلك قد علم فلا يحتاج إلى الارتياء والنظر ، وإنما يفتقر إلى العدلين والنظر ما تشكل الحال فيه ، ويختلف فيه وجه النظر .
ودليل الجمهور على أن المراد بالمثل من النعم : المشابهة للصيد في الخلقة والصورة منها ، قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95فجزاء مثل ما قتل من النعم الآية ، فالمثل يقتضي بظاهره المثل الخلقي الصوري دون المعنوي ، ثم قال : من النعم ، فصرح ببيان جنس المثل ، ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95يحكم به ذوا عدل منكم ، وضمير به راجع إلى المثل من النعم ; لأنه لم يتقدم ذكر لسواه حتى يرجع إليه الضمير .
ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95هديا بالغ الكعبة ، والذي يتصور أن يكون هديا مثل المقتول من النعم ، فأما القيمة فلا يتصور أن تكون هديا ، ولا جرى لها ذكر في نفس الآية ، وادعاء أن المراد شراء الهدي بها يعيد من ظاهر الآية ، فاتضح أن المراد مثل من النعم ، وقوله : لو كان الشبه الخلقي معتبرا لما أوقفه على عدلين ؟ ، أجيب عنه : بأن
nindex.php?page=treesubj&link=3807اعتبار العدلين إنما وجب للنظر في حال الصيد من كبر وصغر ، وما لا جنس له مما له جنس ، وإلحاق ما لم يقع عليه نص بما وقع عليه النص ، قاله
القرطبي .
قال مقيده - عفا الله عنه : المراد بالمثلية في الآية التقريب ، وإذا فنوع المماثلة قد يكون خفيا ، لا يطلع عليه إلا أهل المعرفة والفطنة التامة ، ككون الشاة مثلا للحمامة ; لمشابهتها لها في عب الماء والهدير .
وإذا عرفت التحقيق في الجزاء بالمثل من النعم ، فاعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=3771_3794قاتل الصيد مخير بينه ، وبين الإطعام ، والصيام ، كما هو صريح الآية الكريمة ; لأن " أو " حرف تخيير ، وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ، وعليه جمهور العلماء .
فإن اختار جزاء بالمثل من النعم ، وجب ذبحه في الحرم خاصة ; لأنه حق لمساكين الحرم ، ولا يجزئ في غيره ، كما نص عليه تعالى بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95هديا بالغ الكعبة ، والمراد الحرم كله ، كقوله : ثم محلها إلى البيت العتيق [ 22 \ 33 ] ، مع أن المنحر الأكبر
منى ، وإن اختار الطعام ، فقال
مالك : أحسن ما سمعت فيه ، أنه يقوم الصيد
[ ص: 444 ] بالطعام ، فيطعم كل مسكين مدا ، أو يصوم مكان كل مد يوما .
وقال
ابن القاسم عنه : إن قوم الصيد بالدراهم ، ثم قوم الدراهم بالطعام ، أجزأه . والصواب : الأول ; فإن بقي أقل من مد تصدق به عند بعض العلماء ، وتممه مدا كاملا عند بعض آخر ، أما إذا صام ، فإنه يكمل اليوم المنكسر بلا خلاف .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إذا اختار الإطعام ، أو الصيام ، فلا يقوم الصيد الذي له مثل ، وإنما يقوم مثله من النعم بالدراهم ، ثم تقوم الدراهم بالطعام ، فيطعم كل مسكين مدا ، أو يصوم عن كل مد يوما ، ويتمم المنكسر .
والتحقيق : أن الخيار لقاتل الصيد الذي هو دافع الجزاء .
وقال بعض العلماء : الخيار للعدلين الحكمين ، وقال بعضهم : ينبغي للمحكمين إذا حكما بالمثل ، أن يخيرا قاتل الصيد بين الثلاثة المذكورة .
وقال بعض العلماء : إذا حكما بالمثل لزمه ، والقرآن صريح في أنه لا يلزمه المثل من النعم ، إلا إذا اختاره على الإطعام والصوم ، للتخيير المنصوص عليه بحرف التخيير في الآية .
وقال بعض العلماء : هي على الترتيب ، فالواجب الهدي ، فإن لم يجد فالإطعام ، فإن لم يجد فالصوم ، ويروى هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
والنخعي وغيرهما ، ولا يخفى أن في هذا مخالفة لظاهر القرآن ، بلا دليل .
وقال
أبو حنيفة : يصوم عن كل مدين يوما واحدا اعتبارا بفدية الأذى ، قاله
القرطبي . واعلم أن ظاهر هذه الآية الكريمة ، أنه يصوم عدل الطعام المذكور ، ولو زاد الصيام عن شهرين ، أو ثلاثة .
وقال بعض العلماء : لا يتجاوز صيام الجزاء شهرين ; لأنهما أعلى الكفارات ، واختاره
ابن العربي ، وله وجه من النظر ، ولكن ظاهر الآية يخالفه .
وقال
يحيى بن عمر من المالكية : إنما يقال : كم رجلا يشبع من هذا الصيد ؟ ; فيعرف العدد ، ثم يقال : كم من الطعام يشبه هذا العدد ؟ فإن شاء أخرج ذلك الطعام ، وإن شاء صام عدد أمداده ، قال
القرطبي : وهذا قول حسن احتاط فيه ; لأنه قد تكون قيمة الصيد من الطعام قليلة ، فبهذا النظر يكثر الإطعام .
[ ص: 445 ] واعلم أن الأنواع الثلاثة ، واحد منها يشترط له الحرم إجماعا ، وهو الهدي كما تقدم ، وواحد لا يشترط له الحرم إجماعا ، وهو الصوم ، وواحد اختلف فيه ، وهو الإطعام ، فذهب بعض العلماء إلى أنه
nindex.php?page=treesubj&link=23857_3829لا يطعم إلا في الحرم ، وذهب بعضهم إلى أنه يطعم في موضع إصابة الصيد ، وذهب بعضهم إلى أنه يطعم حيث شاء ، وأظهرها أنه حق لمساكين الحرم ; لأنه بدل عن الهدي ، أو نظير له ، وهو حق لهم إجماعا ، كما صرح به تعالى بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95هديا بالغ الكعبة ، وأما
nindex.php?page=treesubj&link=3778الصوم فهو عبادة تختص بالصائم لا حق فيها لمخلوق ، فله فعلها في أي موضع شاء .
وأما إن كان الصيد لا مثل له من النعم كالعصافير ; فإنه يقوم ، ثم يعرف قدر قيمته من الطعام ، فيخرجه لكل مسكين مد ، أو يصوم عن كل مد يوما .
فتحصل أن
nindex.php?page=treesubj&link=3794ماله مثل من النعم يخير فيه بين ثلاثة أشياء : هي الهدي بمثله ، والإطعام ، والصيام ، وأن ما لا مثل له يخير فيه بين شيئين فقط : وهما الإطعام ، والصيام على ما ذكرنا .
واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=3794المثل من النعم له ثلاث حالات :
الأولى : أن يكون تقدم فيه حكم من - النبي صلى الله عليه وسلم .
الثانية : أن يكون تقدم فيه حكم من عدلين من الصحابة ، أو التابعين مثلا .
الثالثة : ألا يكون تقدم فيه حكم منه - صلى الله عليه وسلم - ولا منهم - رضي الله عنهم - فالذي حكم - صلى الله عليه وسلم - فيه لا يجوز لأحد الحكم فيه بغير ذلك ، وذلك كالضبع ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - قضى فيها بكبش ، قال
ابن حجر في " التلخيص " ما نصه : حديث " أن
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007498النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى في الضبع بكبش " أخرجه أصحاب السنن ،
nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان ،
وأحمد ،
والحاكم في " المستدرك " من طريق
عبد الرحمن بن أبي عمار ، عن
جابر بلفظ : سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الضبع فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007499 " هو صيد ، ويجعل فيه كبش إذا أصابه المحرم " ، ولفظ الحاكم : " جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الضبع يصيبه المحرم كبشا " ، وجعله من الصيد ، وهو عند
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه ، إلا أنه لم يقل نجديا ، قال
الترمذي : سألت عنه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فصححه ، وكذا صححه
عبد الحق وقد أعل بالوقف ، وقال
البيهقي : هو حديث جيد تقوم به الحجة ، ورواه
البيهقي من طريق
الأجلح عن
أبي الزبير ، عن
جابر ، عن
عمر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007500 " لا أراه إلا قد رفعه أنه حكم في الضبع بكبش " . الحديث ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، عن
مالك عن
أبي الزبير به موقوفا ، وصحح وقفه من
[ ص: 446 ] هذا الباب
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ،
والحاكم من طريق
إبراهيم الصائغ ، عن
عطاء ، عن
جابر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007501 " الضبع صيد ، فإذا أصابه المحرم ففيه كبش مسن ويؤكل " ، وفي الباب عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ،
والبيهقي من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16698عمرو بن أبي عمرو ، عن
عكرمة عنه ، وقد أعل بالإرسال .
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عكرمة مرسلا وقال : لا يثبت مثله لو انفرد ، ثم أكده بحديث
ابن أبي عمار المتقدم ، وقال
البيهقي : وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس موقوفا أيضا .
قال مقيده - عفا الله عنه : قضاؤه - صلى الله عليه وسلم - بكبش ثابت كما رأيت تصحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وعبد الحق له ، وكذلك
البيهقي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وغيرهم ،
nindex.php?page=treesubj&link=21528_29093والحديث إذا ثبت صحيحا من وجه لا يقدح فيه الإرسال ولا الوقف من طريق أخرى ، كما هو الصحيح عند المحدثين ; لأن الوصل والرفع من الزيادات ، وزيادة العدل مقبولة كما هو معروف ، وإليه الإشارة بقول صاحب " مراقي السعود " : [ الرجز ]
والرفع والوصل وزيد اللفظ مقبولة عند إمام الحفظ
... إلخ ...
وأما إن تقدم فيه حكم من عدلين من الصحابة ، أو ممن بعدهم ، فقال بعض العلماء : يتبع حكمهم ولا حاجة إلى نظر عدلين وحكمهما من جديد ; لأن الله قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95يحكم به ذوا عدل منكم [ 5 \ 95 ] ، وقد حكما بأن هذا مثل لهذا .
وقال بعض العلماء : لا بد من حكم عدلين من جديد ، وممن قال به
مالك ، قال
القرطبي : ولو اجتزأ بحكم الصحابة - رضي الله عنهم - لكان حسنا .
وروي عن
مالك أيضا أنه يستأنف الحكم في كل صيد ما عدا حمام
مكة ، وحمار الوحش ، والظبي ، والنعامة ; فيكتفي فيها بحكم من مضى من السلف ، وقد روي عن
عمر : أنه حكم هو
nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف في ظبي بعنز ، أخرجه
مالك ،
والبيهقي وغيرهما ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف ،
وسعد - رضي الله عنهما : أنهما حكما في الظبي بتيس أعفر ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
وعمر ،
وعثمان ،
وعلي ،
nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت ،
ومعاوية ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود وغيرهم أنهم قالوا : " في النعامة بدنة " ، أخرجه
البيهقي وغيره ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وغيره : أن في حمار الوحش والبقرة بقرة ، وأن في الأيل بقرة .
[ ص: 447 ] وعن
جابر : أن
عمر قضى في الضبع بكبش ، وفي الغزال بعنز ، وفي الأرنب بعناق ، وفي اليربوع بجفرة ، أخرجه
مالك ،
والبيهقي ، وروى
الأجلح بن عبد الله هذا الأثر عن
جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحيح موقوف على
عمر كما ذكره
البيهقي وغيره ، وقال
البيهقي : وكذلك رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16486عبد الملك بن أبي سليمان ، عن
عطاء ، عن
جابر ، عن
عمر من قوله ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أنه قضى في الأرنب بعناق ، وقال : " هي تمشي على أربع ، والعناق كذلك ، وهي تأكل الشجر ، والعناق كذلك ، وهي تجتر ، والعناق كذلك " رواه
البيهقي .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : أنه قضى في اليربوع بحفر أو جفرة ، رواه
البيهقي أيضا ، وقال
البيهقي : قال
أبو عبيد : قال
أبو زيد : الجفر من أولاد المعز ما بلغ أربعة أشهر وفصل عن أمه ، وعن
شريح أنه قال : لو كان معي حكم حكمت في الثعلب بجدي ، وروي عن
عطاء أنه قال : في الثعلب شاة ، وروي عن
عمر ،
وأربد - رضي الله - عنهما : أنهما حكما في ضب قتله
أربد المذكور بجدي قد جمع الماء والشجر ، رواه
البيهقي وغيره .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان - رضي الله عنه : أنه حكم في أم حبين بجلان من الغنم ، والجلان الجدي ، ورواه
البيهقي وغيره .
تنبيه
nindex.php?page=treesubj&link=3794_3787أقل ما يكون جزاء من النعم عند
مالك شاة تجزئ ضحية ، فلا جزاء عنده بجفرة ، ولا عناق ، مستدلا بأن جزاء الصيد كالدية لا فرق فيها بين الصغير والكبير ، وبأن الله قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95هديا بالغ الكعبة ، فلا بد أن يكون الجزاء يصح هديا ، ففي الضب واليربوع عنده قيمتها طعاما .
قال مقيده - عفا الله عنه : قول الجمهور في جزاء الصغير بالصغير ، والكبير بالكبير ، هو الظاهر ، وهو ظاهر قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95فجزاء مثل ما قتل من النعم ، قال
ابن العربي : وهذا صحيح ، وهو اختيار علمائنا ، يعني مذهب الجمهور الذي هو اعتبار الصغر ، والكبر ، والمرض ، ونحو ذلك كسائر المتلفات .
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ : اعْلَمْ أَنَّ الصَّيْدَ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ :
nindex.php?page=treesubj&link=3794قِسْمٌ لَهُ مِثْلٌ مِنَ النَّعَمِ كَبَقَرَةِ الْوَحْشِ ، وَقِسْمٌ لَا مِثْلَ لَهُ مِنَ النَّعَمِ كَالْعَصَافِيرِ .
وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَعْتَبِرُونَ الْمِثْلِيَّةَ بِالْمُمَاثَلَةِ فِي الصُّورَةِ وَالْخِلْقَةِ ، وَخَالَفَ الْإِمَامُ
أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْجُمْهُورَ ، فَقَالَ : إِنَّ الْمُمَاثَلَةَ مَعْنَوِيَّةٌ ، وَهِيَ الْقِيمَةُ ، أَيْ قِيمَةُ الصَّيْدِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي قَتَلَهُ فِيهِ ، أَوْ أَقْرَبِ مَوْضِعٍ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ لَا يُبَاعُ الصَّيْدُ فِي مَوْضِعِ قَتْلِهِ ، فَيَشْتَرِي بِتِلْكَ الْقِيمَةِ هَدْيًا إِنْ شَاءَ ، أَوْ يَشْتَرِي بِهَا طَعَامًا ، وَيُطْعِمُ الْمَسَاكِينَ كُلَّ
[ ص: 443 ] مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ .
وَاحْتَجَّ
أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الشَّبَهُ مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ مُعْتَبِرًا فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةً ، وَفِي الْحِمَارِ بَقَرَةً ، وَفِي الظَّبْيِ شَاةً ; لَمَا أَوْقَفَهُ عَلَى عَدْلَيْنِ يَحْكُمَانِ بِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ عُلِمَ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى الِارْتِيَاءِ وَالنَّظَرِ ، وَإِنَّمَا يَفْتَقِرُ إِلَى الْعَدْلَيْنِ وَالنَّظَرِ مَا تَشَكَّلَ الْحَالُ فِيهِ ، وَيَخْتَلِفُ فِيهِ وَجْهُ النَّظَرِ .
وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِثْلِ مِنَ النَّعَمِ : الْمُشَابَهَةُ لِلصَّيْدِ فِي الْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ مِنْهَا ، قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ الْآيَةَ ، فَالْمِثْلُ يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ الْمِثْلَ الْخِلْقِيَّ الصُّورِيَّ دُونَ الْمَعْنَوِيِّ ، ثُمَّ قَالَ : مِنَ النَّعَمِ ، فَصَرَّحَ بِبَيَانِ جِنْسِ الْمِثْلِ ، ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ، وَضَمِيرُ بِهِ رَاجِعٌ إِلَى الْمِثْلِ مِنَ النَّعَمِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرٌ لِسِوَاهُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِ الضَّمِيرُ .
ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ، وَالَّذِي يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ هَدْيًا مِثْلَ الْمَقْتُولِ مِنَ النَّعَمِ ، فَأَمَّا الْقِيمَةُ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ هَدْيًا ، وَلَا جَرَى لَهَا ذِكْرٌ فِي نَفْسِ الْآيَةِ ، وَادِّعَاءُ أَنَّ الْمُرَادَ شِرَاءُ الْهَدْيِ بِهَا يُعِيدُ مِنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ ، فَاتَّضَحَ أَنَّ الْمُرَادَ مِثْلٌ مِنَ النَّعَمِ ، وَقَوْلُهُ : لَوْ كَانَ الشَّبَهُ الْخِلْقِيُّ مُعْتَبَرًا لَمَا أَوْقَفَهُ عَلَى عَدْلَيْنِ ؟ ، أُجِيبَ عَنْهُ : بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3807اعْتِبَارَ الْعَدْلَيْنِ إِنَّمَا وَجَبَ لِلنَّظَرِ فِي حَالِ الصَّيْدِ مِنْ كِبَرٍ وَصِغَرٍ ، وَمَا لَا جِنْسَ لَهُ مِمَّا لَهُ جِنْسٌ ، وَإِلْحَاقُ مَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ نَصٌّ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ النَّصُّ ، قَالَهُ
الْقُرْطُبِيُّ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ : الْمُرَادُ بِالْمِثْلِيَّةِ فِي الْآيَةِ التَّقْرِيبُ ، وَإِذًا فَنَوْعُ الْمُمَاثَلَةِ قَدْ يَكُونُ خَفِيًّا ، لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلَّا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَالْفِطْنَةِ التَّامَّةِ ، كَكَوْنِ الشَّاةِ مَثَلًا لِلْحَمَامَةِ ; لِمُشَابَهَتِهَا لَهَا فِي عَبِّ الْمَاءِ وَالْهَدِيرِ .
وَإِذَا عَرَفْتَ التَّحْقِيقَ فِي الْجَزَاءِ بِالْمِثْلِ مِنَ النَّعَمِ ، فَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3771_3794قَاتِلَ الصَّيْدِ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ الْإِطْعَامِ ، وَالصِّيَامِ ، كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ; لِأَنَّ " أَوْ " حَرْفُ تَخْيِيرٍ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ .
فَإِنِ اخْتَارَ جَزَاءً بِالْمِثْلِ مِنَ النَّعَمِ ، وَجَبَ ذَبْحُهُ فِي الْحَرَمِ خَاصَّةً ; لِأَنَّهُ حَقٌّ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ ، وَلَا يُجْزِئُ فِي غَيْرِهِ ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ، وَالْمُرَادُ الْحَرَمُ كُلُّهُ ، كَقَوْلِهِ : ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [ 22 \ 33 ] ، مَعَ أَنَّ الْمَنْحَرَ الْأَكْبَرَ
مِنًى ، وَإِنِ اخْتَارَ الطَّعَامَ ، فَقَالَ
مَالِكٌ : أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِيهِ ، أَنَّهُ يُقَوَّمُ الصَّيْدُ
[ ص: 444 ] بِالطَّعَامِ ، فَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا ، أَوْ يَصُومُ مَكَانَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا .
وَقَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ : إِنْ قَوَّمَ الصَّيْدَ بِالدَّرَاهِمِ ، ثُمَّ قَوَّمَ الدَّرَاهِمَ بِالطَّعَامِ ، أَجْزَأَهُ . وَالصَّوَابُ : الْأَوَّلُ ; فَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ مُدٍّ تَصَدَّقَ بِهِ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ ، وَتَمَّمَهُ مُدًّا كَامِلًا عِنْدَ بَعْضٍ آخَرَ ، أَمَّا إِذَا صَامَ ، فَإِنَّهُ يُكْمِلُ الْيَوْمَ الْمُنْكَسِرَ بِلَا خِلَافٍ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : إِذَا اخْتَارَ الْإِطْعَامَ ، أَوِ الصِّيَامَ ، فَلَا يُقَوَّمُ الصَّيْدُ الَّذِي لَهُ مِثْلٌ ، وَإِنَّمَا يُقَوَّمُ مِثْلُهُ مِنَ النَّعَمِ بِالدَّرَاهِمِ ، ثُمَّ تُقَوَّمُ الدَّرَاهِمُ بِالطَّعَامِ ، فَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا ، أَوْ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا ، وَيُتَمِّمُ الْمُنْكَسِرَ .
وَالتَّحْقِيقُ : أَنَّ الْخِيَارَ لِقَاتِلِ الصَّيْدِ الَّذِي هُوَ دَافِعُ الْجَزَاءِ .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : الْخِيَارُ لِلْعَدْلَيْنِ الْحَكَمَيْنِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَنْبَغِي لِلْمُحَكِّمَيْنِ إِذَا حَكَمَا بِالْمِثْلِ ، أَنْ يُخَيِّرَا قَاتِلَ الصَّيْدِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِذَا حَكَمَا بِالْمِثْلِ لَزِمَهُ ، وَالْقُرْآنُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمِثْلُ مِنَ النَّعَمِ ، إِلَّا إِذَا اخْتَارَهُ عَلَى الْإِطْعَامِ وَالصَّوْمِ ، لِلتَّخْيِيرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِحَرْفِ التَّخْيِيرِ فِي الْآيَةِ .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : هِيَ عَلَى التَّرْتِيبِ ، فَالْوَاجِبُ الْهَدْيُ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَالْإِطْعَامُ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَالصَّوْمُ ، وَيُرْوَى هَذَا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ،
وَالنَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِمَا ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي هَذَا مُخَالَفَةً لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ ، بِلَا دَلِيلٍ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدَّيْنِ يَوْمًا وَاحِدًا اعْتِبَارًا بِفِدْيَةِ الْأَذَى ، قَالَهُ
الْقُرْطُبِيُّ . وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ، أَنَّهُ يَصُومُ عَدْلَ الطَّعَامِ الْمَذْكُورِ ، وَلَوْ زَادَ الصِّيَامُ عَنْ شَهْرَيْنِ ، أَوْ ثَلَاثَةٍ .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : لَا يَتَجَاوَزُ صِيَامَ الْجَزَاءِ شَهْرَيْنِ ; لِأَنَّهُمَا أَعْلَى الْكَفَّارَاتِ ، وَاخْتَارَهُ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ ، وَلَهُ وَجْهٌ مِنَ النَّظَرِ ، وَلَكِنْ ظَاهِرُ الْآيَةِ يُخَالِفُهُ .
وَقَالَ
يَحْيَى بْنُ عُمَرَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ : إِنَّمَا يُقَالُ : كَمْ رَجُلًا يَشْبَعُ مِنْ هَذَا الصَّيْدِ ؟ ; فَيَعْرِفُ الْعَدَدَ ، ثُمَّ يُقَالُ : كَمْ مِنَ الطَّعَامِ يُشْبِهُ هَذَا الْعَدَدَ ؟ فَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ ذَلِكَ الطَّعَامَ ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَدَدَ أَمْدَادِهِ ، قَالَ
الْقُرْطُبِيُّ : وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ احْتَاطَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ قَدْ تَكُونُ قِيمَةُ الصَّيْدِ مِنَ الطَّعَامِ قَلِيلَةً ، فَبِهَذَا النَّظَرِ يَكْثُرُ الْإِطْعَامُ .
[ ص: 445 ] وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ ، وَاحِدٌ مِنْهَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْحَرَمُ إِجْمَاعًا ، وَهُوَ الْهَدْيُ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَوَاحِدٌ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْحَرَمُ إِجْمَاعًا ، وَهُوَ الصَّوْمُ ، وَوَاحِدٌ اخْتُلِفَ فِيهِ ، وَهُوَ الْإِطْعَامُ ، فَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=23857_3829لَا يُطْعِمُ إِلَّا فِي الْحَرَمِ ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُطْعِمُ فِي مَوْضِعِ إِصَابَةِ الصَّيْدِ ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُطْعِمُ حَيْثُ شَاءَ ، وَأَظْهَرُهَا أَنَّهُ حَقٌّ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ ; لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنِ الْهَدْيِ ، أَوْ نَظِيرٌ لَهُ ، وَهُوَ حَقٌّ لَهُمْ إِجْمَاعًا ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ، وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=3778الصَّوْمُ فَهُوَ عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ بِالصَّائِمِ لَا حَقَّ فِيهَا لِمَخْلُوقٍ ، فَلَهُ فِعْلُهَا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ .
وَأَمَّا إِنْ كَانَ الصَّيْدُ لَا مِثْلَ لَهُ مِنَ النَّعَمِ كَالْعَصَافِيرِ ; فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ ، ثُمَّ يُعْرَفُ قَدْرُ قِيمَتِهِ مِنَ الطَّعَامِ ، فَيُخْرِجُهُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ ، أَوْ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا .
فَتَحَصَّلَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3794مَالَهُ مِثْلٌ مِنَ النَّعَمِ يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ : هِيَ الْهَدْيُ بِمِثْلِهِ ، وَالْإِطْعَامُ ، وَالصِّيَامُ ، وَأَنَّ مَا لَا مِثْلَ لَهُ يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَقَطْ : وَهُمَا الْإِطْعَامُ ، وَالصِّيَامُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا .
وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3794الْمِثْلَ مِنَ النَّعَمِ لَهُ ثَلَاثُ حَالَاتٍ :
الْأُولَى : أَنْ يَكُونَ تَقَدَّمَ فِيهِ حُكْمٌ مِنْ - النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
الثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَ تَقَدَّمَ فِيهِ حُكْمٌ مِنْ عَدْلَيْنِ مِنَ الصَّحَابَةِ ، أَوِ التَّابِعَيْنِ مَثَلًا .
الثَّالِثَةُ : أَلَّا يَكُونَ تَقَدَّمَ فِيهِ حُكْمٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مِنْهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَالَّذِي حَكَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْحِكَمُ فِيهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ ، وَذَلِكَ كَالضَّبُعِ ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِيهَا بِكَبْشٍ ، قَالَ
ابْنُ حَجَرٍ فِي " التَّلْخِيصِ " مَا نَصُّهُ : حَدِيثُ " أَنَّ
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007498النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ " أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13053وَابْنُ حِبَّانَ ،
وَأَحْمَدُ ،
وَالْحَاكِمُ فِي " الْمُسْتَدْرَكِ " مِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ ، عَنْ
جَابِرٍ بِلَفْظِ : سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الضَّبُعِ فَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007499 " هُوَ صَيْدٌ ، وَيُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ إِذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ " ، وَلَفْظُ الْحَاكِمِ : " جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الضَّبُعِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ كَبْشًا " ، وَجَعْلَهُ مِنَ الصَّيْدِ ، وَهُوَ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنِ مَاجَهْ ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ نَجْدِيًّا ، قَالَ
التِّرْمِذِيُّ : سَأَلْتُ عَنْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيَّ فَصَحَّحَهُ ، وَكَذَا صَحَّحَهُ
عَبْدُ الْحَقِّ وَقَدْ أَعْلَّ بِالْوَقْفِ ، وَقَالَ
الْبَيْهَقِيُّ : هُوَ حَدِيثٌ جَيِّدٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ ، وَرَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ
الْأَجْلَحِ عَنْ
أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ
جَابِرٍ ، عَنْ
عُمَرَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007500 " لَا أَرَاهُ إِلَّا قَدْ رَفَعَهُ أَنَّهُ حَكَمَ فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ " . الْحَدِيثَ ، وَرَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ ، عَنْ
مَالِكٍ عَنْ
أَبِي الزُّبَيْرِ بِهِ مَوْقُوفًا ، وَصَحَّحَ وَقْفَهُ مِنْ
[ ص: 446 ] هَذَا الْبَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدَّارَقُطْنِيُّ ، وَرَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدَّارَقُطْنِيُّ ،
وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ
إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ ، عَنْ
عَطَاءٍ ، عَنْ
جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007501 " الضَّبُعُ صَيْدٌ ، فَإِذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ فَفِيهِ كَبْشٌ مُسِنٌّ وَيُؤْكَلُ " ، وَفِي الْبَابِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدَّارَقُطْنِيُّ ،
وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=16698عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو ، عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنْهُ ، وَقَدْ أَعَلَّ بِالْإِرْسَالِ .
وَرَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا وَقَالَ : لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ لَوِ انْفَرَدَ ، ثُمَّ أَكَّدَهُ بِحَدِيثِ
ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ الْمُتَقَدِّمِ ، وَقَالَ
الْبَيْهَقِيُّ : وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا أَيْضًا .
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ : قَضَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشٍ ثَابِتٌ كَمَا رَأَيْتَ تَصْحِيحَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ وَعَبْدِ الْحَقِّ لَهُ ، وَكَذَلِكَ
الْبَيْهَقِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ ، وَغَيْرُهُمْ ،
nindex.php?page=treesubj&link=21528_29093وَالْحَدِيثُ إِذَا ثَبَتَ صَحِيحًا مِنْ وَجْهٍ لَا يَقْدَحُ فِيهِ الْإِرْسَالُ وَلَا الْوَقْفُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى ، كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ ; لِأَنَّ الْوَصْلَ وَالرَّفْعَ مِنَ الزِّيَادَاتِ ، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ صَاحِبِ " مَرَاقِي السُّعُودِ " : [ الرَّجَزُ ]
وَالرَّفْعُ وَالْوَصْلُ وَزَيْدُ اللَّفْظِ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ إِمَامِ الْحِفْظِ
... إِلَخْ ...
وَأَمَّا إِنْ تَقَدَّمَ فِيهِ حُكْمٌ مِنْ عَدْلَيْنِ مِنَ الصَّحَابَةِ ، أَوْ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ ، فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : يَتَّبِعُ حُكْمَهُمْ وَلَا حَاجَةَ إِلَى نَظَرِ عَدْلَيْنِ وَحُكْمِهِمَا مِنْ جَدِيدٍ ; لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ [ 5 \ 95 ] ، وَقَدْ حَكَمَا بِأَنَّ هَذَا مِثْلٌ لِهَذَا .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : لَا بُدَّ مِنْ حُكْمِ عَدْلَيْنِ مِنْ جَدِيدٍ ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ
مَالِكٌ ، قَالَ
الْقُرْطُبِيُّ : وَلَوِ اجْتَزَأَ بِحُكْمِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَكَانَ حَسَنًا .
وَرُوِيَ عَنْ
مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْحُكْمَ فِي كُلِّ صَيْدٍ مَا عَدَا حَمَامَ
مَكَّةَ ، وَحِمَارَ الْوَحْشِ ، وَالظَّبْيَ ، وَالنَّعَامَةَ ; فَيَكْتَفِي فِيهَا بِحُكْمِ مَنْ مَضَى مِنَ السَّلَفِ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ
عُمَرَ : أَنَّهُ حَكَمَ هُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=38وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي ظَبْيٍ بِعَنْزٍ ، أَخْرَجَهُ
مَالِكٌ ،
وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا ، وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=38عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ،
وَسَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّهُمَا حَكَمَا فِي الظَّبْيِ بِتَيْسٍ أَعْفَرَ ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ،
وَعُمَرَ ،
وَعُثْمَانَ ،
وَعَلِيٍّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=47وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ،
وَمُعَاوِيَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : " فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ " ، أَخْرَجَهُ
الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ : أَنَّ فِي حِمَارِ الْوَحْشِ وَالْبَقَرَةِ بَقَرَةً ، وَأَنَّ فِي الْأَيِّلِ بَقَرَةً .
[ ص: 447 ] وَعَنْ
جَابِرٍ : أَنَّ
عُمَرَ قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ ، وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ ، وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ ، وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ ، أَخْرَجَهُ
مَالِكٌ ،
وَالْبَيْهَقِيُّ ، وَرَوَى
الْأَجْلَحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا الْأَثَرَ عَنْ
جَابِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ عَلَى
عُمَرَ كَمَا ذَكَرَهُ
الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَقَالَ
الْبَيْهَقِيُّ : وَكَذَلِكَ رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16486عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ
عَطَاءٍ ، عَنْ
جَابِرٍ ، عَنْ
عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهُ قَضَى فِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ ، وَقَالَ : " هِيَ تَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ ، وَالْعَنَاقُ كَذَلِكَ ، وَهِيَ تَأْكُلُ الشَّجَرَ ، وَالْعَنَاقُ كَذَلِكَ ، وَهِيَ تَجْتَرُّ ، وَالْعَنَاقُ كَذَلِكَ " رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ : أَنَّهُ قَضَى فِي الْيَرْبُوعِ بِحَفْرٍ أَوْ جَفْرَةٍ ، رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا ، وَقَالَ
الْبَيْهَقِيُّ : قَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ : قَالَ
أَبُو زَيْدٍ : الْجَفْرُ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ مَا بَلَغَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَفَصَلَ عَنْ أُمِّهِ ، وَعَنْ
شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ : لَوْ كَانَ مَعِي حَكَمٌ حَكَمْتُ فِي الثَّعْلَبِ بِجَدْيٍ ، وَرُوِيَ عَنْ
عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ : فِي الثَّعْلَبِ شَاةٌ ، وَرُوِيَ عَنْ
عُمَرَ ،
وَأَرْبَدَ - رَضِيَ اللَّهُ - عَنْهُمَا : أَنَّهُمَا حَكَمَا فِي ضَبٍّ قَتَلَهُ
أَرْبَدُ الْمَذْكُورُ بِجَدْيٍ قَدْ جَمَعَ الْمَاءَ وَالشَّجَرَ ، رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّهُ حَكَمَ فِي أُمِّ حُبَيْنٍ بِجِلَّانَ مِنَ الْغَنَمِ ، وَالْجِلَّانُ الْجَدْيُ ، وَرَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ .
تَنْبِيهٌ
nindex.php?page=treesubj&link=3794_3787أَقَلُّ مَا يَكُونُ جَزَاءً مِنَ النَّعَمِ عِنْدَ
مَالِكٍ شَاةٌ تُجْزِئُ ضَحِيَّةً ، فَلَا جَزَاءَ عِنْدِهِ بِجَفْرَةٍ ، وَلَا عَنَاقٍ ، مُسْتَدِلًّا بِأَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ كَالدِّيَةِ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ ، وَبِأَنَّ اللَّهَ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ يَصِحُّ هَدْيًا ، فَفِي الضَّبِّ وَالْيَرْبُوعِ عِنْدَهُ قِيمَتُهَا طَعَامًا .
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ : قَوْلُ الْجُمْهُورِ فِي جَزَاءِ الصَّغِيرِ بِالصَّغِيرِ ، وَالْكَبِيرِ بِالْكَبِيرِ ، هُوَ الظَّاهِرُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ، قَالَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ عُلَمَائِنَا ، يَعْنِي مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ الَّذِي هُوَ اعْتِبَارُ الصِّغَرِ ، وَالْكِبْرِ ، وَالْمَرَضِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ .