المسألة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=20197_20199يشترط في الآمر بالمعروف أن يكون له علم ، يعلم به أن ما يأمر به معروف ، وأن ما ينهى عنه منكر ; لأنه إن كان جاهلا بذلك فقد يأمر بما ليس بمعروف ، وينهى عما ليس بمنكر ، ولاسيما في هذا الزمن الذي عم فيه الجهل وصار فيه الحق منكرا ، والمنكر معروفا ، والله تعالى يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني الآية [ 12 \ 108 ] ، فدل على أن الداعي إلى الله لا بد أن يكون على بصيرة ، وهي الدليل الواضح الذي لا لبس في الحق معه ، وينبغي أن تكون دعوته إلى الله بالحكمة ، وحسن الأسلوب ، واللطافة مع إيضاح الحق ; لقوله تعالى :
[ ص: 464 ] nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=125ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة الآية [ 16 \ 125 ] ، فإن كانت
nindex.php?page=treesubj&link=20199دعوته إلى الله بقسوة وعنف وخرق ، فإنها تضر أكثر مما تنفع ، فلا ينبغي أن يسند الأمر بالمعروف إسنادا مطلقا ، إلا لمن جمع بين العلم ، والحكمة ، والصبر على أذى الناس ; لأن الأمر بالمعروف وظيفة الرسل ، وأتباعهم ، وهو مستلزم للأذى من الناس ; لأنهم مجبولون بالطبع على معاداة من يتعرض لهم في أهوائهم الفاسدة ، وأغراضهم الباطلة ، ولذا قال العبد الصالح
لقمان الحكيم لولده ، فيما قص الله عنه :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=17وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك الآية [ 31 \ 17 ] ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007538ولما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لورقة بن نوفل : " أومخرجي هم ؟ " ، يعني قريشا ، أخبره ورقة : أن هذا الدين الذي جاء به لم يأت به أحد إلا عودي ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال : " ما ترك الحق
لعمر صديقا " ، واعلم أنه لا يحكم على الأمر بأنه منكر ، إلا إذا قام على ذلك دليل من كتاب الله تعالى ، أو سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - أو إجماع المسلمين .
وأما إن كان من مسائل الاجتهاد فيما لا نص ، فلا يحكم على أحد المجتهدين المختلفين بأنه مرتكب منكرا ، فالمصيب منهم مأجور بإصابته ، والمخطئ منهم معذور كما هو معروف في محله .
واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=20190_32022الدعوة إلى الله بطريقين : طريق لين ، وطريق قسوة ، أما طريق اللين فهي الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وإيضاح الأدلة في أحسن أسلوب وألطفه ، فإن نجحت هذه الطريق فبها ونعمت ، وهو المطلوب ، وإن لم تنجح تعينت طريق القسوة بالسيف حتى يعبد الله وحده ، وتقام حدوده ، وتمتثل أوامره ، وتجتنب نواهيه ، وإلى هذه الإشارة بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد الآية [ 57 \ 25 ] .
ففيه الإشارة إلى أعمال السيف بعد إقامة الحجة ، فإن لم تنفع الكتب تعينت الكتائب ، والله تعالى قد يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=20197_20199يُشْتَرَطُ فِي الْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ يَكُونَ لَهُ عِلْمٌ ، يَعْلَمُ بِهِ أَنَّ مَا يَأْمُرُ بِهِ مَعْرُوفٌ ، وَأَنَّ مَا يَنْهَى عَنْهُ مُنْكَرٌ ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ جَاهِلًا بِذَلِكَ فَقَدْ يَأْمُرُ بِمَا لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ ، وَيَنْهَى عَمَّا لَيْسَ بِمُنْكَرٍ ، وَلَاسِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَنِ الَّذِي عَمَّ فِيهِ الْجَهْلُ وَصَارَ فِيهِ الْحَقُّ مُنْكَرًا ، وَالْمُنْكَرُ مَعْرُوفًا ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي الْآيَةَ [ 12 \ 108 ] ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الدَّاعِيَ إِلَى اللَّهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ ، وَهِيَ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ الَّذِي لَا لَبْسَ فِي الْحَقِّ مَعَهُ ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ دَعْوَتُهُ إِلَى اللَّهِ بِالْحِكْمَةِ ، وَحُسْنِ الْأُسْلُوبِ ، وَاللَّطَافَةِ مَعَ إِيضَاحِ الْحَقِّ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
[ ص: 464 ] nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=125ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ الْآيَةَ [ 16 \ 125 ] ، فَإِنْ كَانَتْ
nindex.php?page=treesubj&link=20199دَعْوَتُهُ إِلَى اللَّهِ بِقَسْوَةٍ وَعُنْفٍ وَخَرْقٍ ، فَإِنَّهَا تَضُرُّ أَكْثَرَ مِمَّا تَنْفَعُ ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْنَدَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ إِسْنَادًا مُطْلَقًا ، إِلَّا لِمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْعِلْمِ ، وَالْحِكْمَةِ ، وَالصَّبْرِ عَلَى أَذَى النَّاسِ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَظِيفَةُ الرُّسُلِ ، وَأَتْبَاعِهِمْ ، وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْأَذَى مِنَ النَّاسِ ; لِأَنَّهُمْ مَجْبُولُونَ بِالطَّبْعِ عَلَى مُعَادَاةِ مَنْ يَتَعَرَّضُ لَهُمْ فِي أَهْوَائِهِمُ الْفَاسِدَةِ ، وَأَغْرَاضِهِمُ الْبَاطِلَةِ ، وَلِذَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ
لُقْمَانُ الْحَكِيمُ لِوَلَدِهِ ، فِيمَا قَصَّ اللَّهُ عَنْهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=17وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ الْآيَةَ [ 31 \ 17 ] ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007538وَلَمَّا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِوَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ : " أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ ؟ " ، يَعْنِي قُرَيْشًا ، أَخْبَرَهُ وَرَقَةُ : أَنَّ هَذَا الدِّينَ الَّذِي جَاءَ بِهِ لَمْ يَأْتِ بِهِ أَحَدٌ إِلَّا عُودِيَ ، وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ : " مَا تَرَكَ الْحَقُّ
لِعُمَرَ صَدِيقًا " ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ عَلَى الْأَمْرِ بِأَنَّهُ مُنْكَرٌ ، إِلَّا إِذَا قَامَ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ .
وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ فِيمَا لَا نَصَّ ، فَلَا يُحْكَمُ عَلَى أَحَدِ الْمُجْتَهِدِينَ الْمُخْتَلِفِينَ بِأَنَّهُ مُرْتَكِبٌ مُنْكَرًا ، فَالْمُصِيبُ مِنْهُمْ مَأْجُورٌ بِإِصَابَتِهِ ، وَالْمُخْطِئُ مِنْهُمْ مَعْذُورٌ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَحَلِّهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20190_32022الدَّعْوَةَ إِلَى اللَّهِ بِطَرِيقَيْنِ : طَرِيقِ لِينٍ ، وَطَرِيقِ قَسْوَةٍ ، أَمَّا طَرِيقُ اللِّينِ فَهِيَ الدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ، وَإِيضَاحُ الْأَدِلَّةِ فِي أَحْسَنِ أُسْلُوبٍ وَأَلْطَفِهِ ، فَإِنْ نَجَحَتْ هَذِهِ الطَّرِيقُ فَبِهَا وَنِعْمَتْ ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ ، وَإِنْ لَمْ تَنْجَحْ تَعَيَّنَتْ طَرِيقُ الْقَسْوَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ ، وَتُقَامَ حُدُودُهُ ، وَتُمْتَثَلَ أَوَامِرُهُ ، وَتُجْتَنَبَ نَوَاهِيهِ ، وَإِلَى هَذِهِ الْإِشَارَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ الْآيَةَ [ 57 \ 25 ] .
فَفِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَعْمَالِ السَّيْفِ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ ، فَإِنْ لَمْ تَنْفَعِ الْكُتُبُ تَعَيَّنَتِ الْكَتَائِبُ ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ يَزَعُ بِالسُّلْطَانِ مَا لَا يَزَعُ بِالْقُرْآنِ .