فإذا عرفت ذلك : فاعلم أن قوله تعالى في هذه الآية الكريمة : وصدوا عن سبيل الله [ 16 \ 88 ] ، محتمل ; لأن تكون " صد " متعدية ، والمفعول محذوف لدلالة المقام عليه ; على حد قوله في الخلاصة :
وحذف فضلة أجز إن لم يضر كحذف ما سيق جوابا أو حصر
ومحتمل لأن تكون " صد " لازمة غير متعدية إلى المفعول ، ولكن في الآية الكريمة ثلاث قرائن تدل على أن " صد " متعدية ، والمفعول محذوف ، أي : وصدوا الناس عن سبيل الله .
الأولى : أنا لو قدرنا " صد " لازمة ، وأن معناها : صدودهم في أنفسهم عن الإسلام ; لكان ذلك تكرارا من غير فائدة مع قوله : الذين كفروا [ 16 \ 88 ] ، بل معنى الآية : كفروا في أنفسهم ، وصدوا غيرهم عن الدين فحملوه على الكفار أيضا .
القرينة الثانية : قوله تعالى : زدناهم عذابا فوق العذاب [ 16 \ 88 ] ، فإن هذه الزيادة من العذاب لأجل إضلالهم غيرهم . والعذاب المزيد فوقه : هو عذابهم على كفرهم في أنفسهم ; بدليل قوله في المضلين الذين أضلوا غيرهم : ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم . . . الآية [ 16 \ 25 ] ، وقوله : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم . . . الآية [ 29 \ 13 ] ، كما تقدم إيضاحه .
القرينة الثالثة ، قوله : بما كانوا يفسدون [ 16 \ 88 ] ، فإنه يدل على أنهم كانوا يفسدون على غيرهم مع ضلالهم في أنفسهم ، وقوله : فوق العذاب [ 16 \ 88 ] ، أي : الذي استحقوه بضلالهم وكفرهم . وعن : أن هذا العذاب المزيد : عقارب أنيابها كالنخل الطوال ، وحيات مثل أعناق الإبل ، وأفاعي كأنها البخاتي تضربهم . أعاذنا الله وإخواننا المسلمين منها . والعلم عند الله تعالى . ابن مسعود