الدم أصله دمي ، يائي اللام وهو من الأسماء التي حذفت العرب لامها ، ولم تعوض عنها شيئا ، وأعربتها على العين ، ولامه ترجع عند التصغير ، فتقول : دمي بإدغام ياء التصغير في ياء لام الكلمة ، وترجع أيضا في جمع التكسير ، فالهمزة في الدماء مبدلة من الياء التي هي لام الكلمة ، وربما ثبتت أيضا في التثنية ، ومنه قول سحيم الرياحي : [ الوافر ]
ولو أنا على حجر ذبحنا جرى الدميان بالخبر اليقين
وكذلك تثبت لامه في الماضي والمضارع ، والوصف في حالة الاشتقاق منه فتقول : في الماضي دميت يده كرضي ، ومنه قوله : [ الرجز ]
هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت
وتقول في المضارع : يدمى بإبدال الياء ألفا كما في يرضى ، ويسعى ، ويخشى ، ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما
وتقول في الوصف : أصبح جرحه داميا ، ومنه قول الراجز : [ الراجز ]
نرد أولاها على أخراها نردها دامية كلاها
[ ص: 61 ] والتحقيق أن لامه أصلها ياء ، وقيل أصلها : واو وإنما أبدلت ياء في الماضي ; لتطرفها بعد الكسر كما في قوي ، ورضي ، وشجي ، التي هي واويات اللام في الأصل ; لأنها من الرضوان ، والقوة ، والشجو .
وقال بعضهم : الأصل فيه دمى بفتح الميم ، وقيل : بإسكانها ، والله تعالى أعلم .
قوله تعالى : ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم ) ، لم يبين هنا سبب اضطراره ، ولم يبين المراد بالباغي والعادي ، ولكنه أشار في موضع آخر إلى أن سبب الاضطرار المذكور المخمصة ، وهي الجوع وهو قوله : ( فمن اضطر في مخمصة ) [ 5 \ 3 ] وأشار إلى أن المراد بالباغي والعادي المتجانف للإثم ، وذلك في قوله : ( فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم ) . والمتجانف : المائل ، ومنه قول الأعشى : [ الطويل ]
تجانف عن حجر اليمامة ناقتي وما قصدت من أهلها لسوائكا
فيفهم من الآية أن الباغي والعادي كلاهما متجانف لإثم ، وهذا غاية ما يفهم منها .
وقال بعض العلماء : الإثم الذي تجانف إليه الباغي : هو الخروج على إمام المسلمين ، وكثيرا ما يطلق اسم البغي على مخالفة الإمام ، والإثم الذي تجانف إليه العادي : هو إخافة الطريق وقطعها على المسلمين ، ويلحق بذلك كل سفر في معصية الله . ا ه .
وقال بعض العلماء : إثم الباغي والعادي أكلهما المحرم مع وجود غيره ، وعليه فهو كالتأكيد لقوله : ( فمن اضطر ) [ 2 \ 173 ] ، وعلى القول الأول لا يجوز لقاطع الطريق والخارج على الإمام الأكل من الميتة ، وإن خافا الهلاك ما لم يتوبا ، وعلى الثاني يجوز لهما لقاطع الطريق والخارج على الإمام الأكل من الميتة ، وإن خافا الهلاك ما لم يتوبا ، وعلى الثاني يجوز لهما أكل الميتة إن خافا الهلاك ، وإن لم يتوبا .
ونقل القرطبي عن قتادة والحسن والربيع وابن زيد وعكرمة أن المعنى ( غير باغ ) أي : في أكله فوق حاجته ( ولا عاد ) ، بأن يجد عن هذه المحرمات مندوحة ويأكلها .
ونقل أيضا عن أن المعنى ( السدي غير باغ ) في أكلها شهوة وتلذذا ( ولا عاد ) [ ص: 62 ] باستيفاء الأكل إلى حد الشبع .
وقال القرطبي أيضا ، وقال مجاهد وغيرهما : المعنى ( وابن جبير غير باغ ) على المسلمين ، ( ولا عاد ) عليهم ، فيدخل في الباغي والعادي قطاع الطريق ، والخارج على السلطان ، والمسافر في قطع الرحم ، والغارة على المسلمين ، وما شاكله ، وهذا صحيح ; فإن أصل البغي في اللغة قصد الفساد ، يقال : بغت المرأة تبغي بغاء إذا فجرت .
قال الله تعالى : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ) [ 24 \ 33 ] وربما استعمل البغي في طلب غير الفساد ، والعرب تقول : خرج الرجل في بغاء إبل له ؛ أي : في طلبها ، ومنه قول الشاعر : [ مرفل الكامل ]
لا يمنعنك من بغا ء الخير تعقاد الرتائم
إن الأشائم كالأيا من والأيامن كالأشائم
وذكر القرطبي عن مجاهد : أن المراد بالاضطرار في هذه الآية : ، كالرجل يأخذه العدو ، فيكرهونه على لحم الخنزير وغيره من معصية الله تعالى ، وذكر أن المراد به عند الجمهور من العلماء المخمصة التي هي الجوع كما ذكرنا . الإكراه على أكل المحرم
وقد قدمنا أن آية ( فمن اضطر في مخمصة ) [ 5 \ 3 ] ، مبينة لذلك ، وحكم الإكراه على أكل ما ذكر يؤخذ من قوله تعالى : ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) [ 16 \ 106 ] بطريق الأولى ، وحديث : " " . إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه