( من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين ) أي من يصرف ويحول عن ذلك العذاب في ذلك اليوم العظيم حتى يكون بمعزل عنه ، أو من يصرف عنه ذلك العذاب في ذلك اليوم فقد رحمه الله بإنجائه من الهول الأكبر ، وبما وراء النجاة من دخول الجنة لأن من لا يعذب يومئذ يكون منعما حتما ، وذلك الجمع بين النجاة من العذاب والتمتع بالنعيم في دار البقاء هو الفوز المبين الظاهر ، وقد حققنا في تفسير آخر السورة السابقة ( المائدة ) أن الفوز إنما يكون بمجموع الأمرين السلبي والإيجابي ، ولا ينافي ذلك ما قيل في أهل الأعراف على ما يأتي تحقيقه في سورتها . وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ( من يصرف عنه ) بالبناء للفاعل ، أي من يصرفه الله عنه أي عن العذاب إلخ . ويؤيدها قراءة أبي ( من يصرف الله ) بالظاهر للفاعل وحذف المفعول ، ولعله قال ذلك بقصد التفسير ولا يمنعنا من الجزم بذلك إلا أن يصح أنه كتب اسم الجلالة في مصحفه .
وقد استدلت الأشعرية بالآية على أن الطاعة لا توجب الثواب لأنها ناطقة بأن ذلك من رحمة الله تعالى وفعل الواجب لا يسمى رحمة ، وضربوا لذلك الأمثال في أفعال البشر ، والحق أن من أفعال الرحمة البشرية ما هو واجب ، ومن الواجب على الناس ما هو رحمة أي واجب لأنه رحمة ، وأما الخالق عز وجل فلا يوجب عليه أحد شيئا إذ لا سلطان فوق سلطانه ، وله أن يوجب على نفسه ما شاء ، وقد كتب على نفسه الرحمة ، أي أوجبها [ ص: 279 ] كما نص عليه كتابه في هذا السياق . فهذه كتابة مطلقة ، وسيأتي في سورة الأعراف كتابتها للمتقين المزكين من مؤمني هذه الأمة ، ولو لم يكتب الرب على نفسه الرحمة لجاز ألا يرحم أحدا وألا يكون رحيما بخلقه وأجاز بعض المتكلمين هذا فكتاب الله لا يجيزه ، ولما بين سبحانه أن صرف العذاب والفوز بالنعيم بعده من رحمته في الآخرة بين أن الأمر كذلك في الدنيا ، وأن التصرف فيه لله الولي الحميد وحده فقال : والمعصية لا توجب العقاب