(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60nindex.php?page=treesubj&link=28977وهو الذي يتوفاكم بالليل ) التوفي أخذ الشيء وافيا أي تاما كاملا ، ويقابله التوفية
[ ص: 399 ] وهو إعطاء الشيء تاما كاملا ، يقال وفاه حقه فتوفاه منه واستوفاه ، ومنه (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39ووجد الله عنده فوفاه حسابه 24 : 39 ) ويقال توفاه واستوفاه بمعنى أحصى عدده ، نطقت العرب بالمعنيين ، وأطلق التوفي على الموت ؛ لأن الأرواح تقبض وتؤخذ أخذا تاما حتى لا يبقى لها تصرف في الأبدان ، وأطلق على النوم في هذه الآية وفي آية الزمر التي نذكرها قريبا ، فقال العلماء : إنه إطلاق مجازي مبني على تشبيه النوم بالموت لما بينهما من المشاركة في زوال إحساس الحواس والتمييز ، وإنما جعلوه استعارة عن النوم بناء على جعله حقيقة في الموت ، وهو كذلك في العرف العام لا في أصل اللغة ؛ يقولون توفي فلان - بالبناء للمفعول - بمعنى مات ، وتوفاه الله بمعنى أماته ، وما أعلم أن العرب استعملت التوفي في الموت ، وإنما هو استعمال إسلامي مبني على الموت ، يحصل بقبض الأنفس التي تحيا بها الناس كما قال تعالى في سورة الزمر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون 39 : 42 ) فهذه الآية نص في كون التوفي أعم من الموت ، وأنه ليس مرادفا له ، فقد صرحت بأن الأنفس التي تتوفى في منامها غير ميتة .
فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60يتوفاكم بالليل ) معناه يتوفى أنفسكم في حالة نومكم بالليل ، ومثله النوم في النهار ، وإنما اقتصر على ذكر الليل ؛ لأن الواجب في الفطرة والغالب في العادة أن يكون النوم فيه ، فلا يعتد بما يقع منه في النهار . أطلق التوفي في المنام على إزالة الإحساس والمنع من تصرف الأنفس في الأبدان على ما هو المعروف عند العلماء ، ولكن بعض فلاسفة الغرب المتأخرين يرى أن للإنسان نفسين ، تفارقه إحداهما عند النوم ، وتفارقه كلتاهما بالموت ، فإذا صح هذا يكون التوفي حقيقة في المنام وفي الموت ؛ لأن الأول يحصل بقبض غير تام لأحد النفسين ، والثاني بقبض تام لكلتيهما ، وهو يوافق ظاهر آية الزمر .
ثم قال عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60nindex.php?page=treesubj&link=28977ويعلم ما جرحتم بالنهار ) الجرح : يطلق بمعنى العمل والكسب بالجوارح وهي الأعضاء العاملة ، وبمعنى التأثير الدامي من السلاح وما في معناه كالبراثن والأظفار والأنياب من سباع الطير والوحش . قيل : إن هذا الأخير هو الحقيقة والأول مجاز ، وإن عوامل الإنسان ما سميت جوارح إلا تشبيها لها بجوارح السباع ، وإن هذه ما سميت جوارح إلا لأنها تجرح ما تصيده وما تفترسه ، وظاهر عبارة لسان العرب أن الجرح حقيقة في الكسب ، وأن جوارح الصيد سميت بذلك لكسبها لنفسها أو لمعلمها الذي يصيد بها ، وأن الخيل والأنعام المنتجة تسمى جوارح أيضا ؛ لأن نتاجها كسبها ، فالجرح كالكسب ، يطلق على الخير والشر منه . نقل ذلك اللسان عن
الأزهري . وظاهر كلام
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أنه فعل الشر ، وبذلك فسر الآية في الكشاف كما سيأتي ، وقد استعمل الاجتراح بمعنى فعل الشر خاصة في قوله تعالى في سورة
[ ص: 400 ] الجاثية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ) ( 45 : 21 ) - الآية - ولم يذكر الجرح والاجتراح في القرآن إلا في هاتين الآيتين . وقد يكون التخصيص بعمل السيئات لصيغة الافتعال كما ورد كثيرا في الاكتساب كقوله تعالى في آخر سورة البقرة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) وهو غير مطرد في ذلك ، فكل من الكسب والاكتساب يستعمل في الخير والشر .
nindex.php?page=treesubj&link=28977فمعنى قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60ويعلم ما جرحتم بالنهار ) يعلم جميع عملكم وكسبكم في وقت اليقظة الذي يكون معظمه في النهار خيرا كان أو شرا ، قيل : إن الماضي هنا بمعنى المستقبل ، أي : ويعلم ما تجرحونه في النهار الذي يلي الليل ، عبر به لتحقق وقوعه ، وقيل : بل هو على أصله ويراد به النهار السابق على الليل الذي يتوفاكم فيه ، أو المراد يتوفاكم في جنس الليل ويعلم ما جرحتم في جنس النهار .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60nindex.php?page=treesubj&link=28977ثم يبعثكم فيه ) أي : ثم إنه بعد توفيكم بالنوم يثيركم ويرسلكم منه في النهار ، فالبعث - كما قال
الراغب - إثارة الشيء وتوجيهه ، يقال بعثت البعير أي أثرته من بركه وسيرته . فإطلاق البعث على الإيقاظ من النوم حقيقة لغوية ، ومن جعله مجازا نظر إلى العرف الشرعي ، فإن قيل كان الظاهر أن يقال : وهو الذي يتوفاكم بالليل ثم يبعثكم بالنهار ويعلم ما جرحتم فيه ، فما نكتة هذا التقديم والتأخير في الآية ؟ قلت : الظاهر المتبادر أن تأخير ذكر البعث لأجل أن تتصل به علته المقصودة بالذكر في هذا السياق وهو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60nindex.php?page=treesubj&link=28977ليقضى أجل مسمى ) إلخ أن يوقظكم ويرسلكم في أعمالكم لأجل أن يقضى وينفذ الأجل المسمى في علمه تعالى لكل فرد منكم ، فإن لأعماركم آجالا مقدرة مكتوبة لا بد من قضائها وإتمامها (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60ثم إليه مرجعكم ) ثم إليه وحده يكون رجوعكم إذا انتهت آجالكم ومتم (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60nindex.php?page=treesubj&link=28977ثم ينبئكم بما كنتم تعملون ) إذ يبعثكم من مراقد الموت كما كان يبعثكم من مضاجع النوم ؛ لأنه عالم بتلك الأعمال كلها فيذكركم بها ، ويحاسبكم عليها ، ويجزيكم بها ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، وفيه تنبيه على أن القادر على البعث من توفي النوم قادر على البعث من توفي الموت .
وقد خالف
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري الجمهور في تفسير الآية ، فجعلها خطابا للكفار خاصة ، إذ جعل الجرح خاصا بعمل السوء ، وجعل الغرض من ذكر توفيهم في الليل أنهم يكونون منسدحين فيه كالجيف ، ومن الجرح بالنهار : عمل الآثام فيه . وجعل البعث على معناه الشرعي ، و " في " للتعليل أو الشأن كحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=919688دخلت امرأة النار في هرة . وقال في بيان هذا : ثم يبعثكم من القبور في شأن ذلك الذي قطعتم به أعماركم من النوم بالليل وكسب الآثام بالنهار ومن أجله ، كقولك :
[ ص: 401 ] فيم دعوتني ؟ فأقول : في أمر كذا . وفسر الأجل المسمى بما ضربه الله لبعث الموتى وجزائهم ، والمرجع بالرجوع إلى موقف الحساب ، وفيه تكلف لا يدفعه إلا نص في نزول الآية في الكفار وحدهم وكون الجرح بمعنى فعل الآثام ، وكلاهما لا يثبت .
وفي ذكر الأجل المسمى في الآية والرجوع إلى الله تعالى لأجل الحساب والجزاء تأييد لما تقدم من حكمة تأخير ما كان مشركو مكة يستعجلون به من وعيد الله لهم ، ووعيده لرسوله بالنصر عليهم وبيان عذاب الآخرة وراء ما أنذروا من عذاب الدنيا ، فمن لم يدركه الأول لموته قبل وقوعه لم يفلت من الآخر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60nindex.php?page=treesubj&link=28977وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ ) التَّوَفِّي أَخْذُ الشَّيْءِ وَافِيًا أَيْ تَامًّا كَامِلًا ، وَيُقَابِلُهُ التَّوْفِيَةُ
[ ص: 399 ] وَهُوَ إِعْطَاءُ الشَّيْءِ تَامًّا كَامِلًا ، يُقَالُ وَفَّاهُ حَقَّهُ فَتَوَفَّاهُ مِنْهُ وَاسْتَوْفَاهُ ، وَمِنْهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ 24 : 39 ) وَيُقَالُ تَوَفَّاهُ وَاسْتَوْفَاهُ بِمَعْنَى أَحْصَى عَدَدَهُ ، نَطَقَتِ الْعَرَبُ بِالْمَعْنَيَيْنِ ، وَأُطْلِقَ التَّوَفِّي عَلَى الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ الْأَرْوَاحَ تُقْبَضُ وَتُؤْخَذُ أَخْذًا تَامًّا حَتَّى لَا يَبْقَى لَهَا تَصَرُّفٌ فِي الْأَبْدَانِ ، وَأُطْلِقَ عَلَى النَّوْمِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَفِي آيَةِ الزُّمَرِ الَّتِي نَذْكُرُهَا قَرِيبًا ، فَقَالَ الْعُلَمَاءُ : إِنَّهُ إِطْلَاقٌ مَجَازِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى تَشْبِيهِ النَّوْمِ بِالْمَوْتِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُشَارَكَةِ فِي زَوَالِ إِحْسَاسِ الْحَوَاسِّ وَالتَّمْيِيزِ ، وَإِنَّمَا جَعَلُوهُ اسْتِعَارَةً عَنِ النَّوْمِ بِنَاءً عَلَى جَعْلِهِ حَقِيقَةً فِي الْمَوْتِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ لَا فِي أَصْلِ اللُّغَةِ ؛ يَقُولُونَ تُوُفِّيَ فُلَانٌ - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - بِمَعْنَى مَاتَ ، وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ بِمَعْنَى أَمَاتَهُ ، وَمَا أَعْلَمُ أَنَّ الْعَرَبَ اسْتَعْمَلَتِ التَّوَفِّي فِي الْمَوْتِ ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِعْمَالٌ إِسْلَامِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَوْتِ ، يَحْصُلُ بِقَبْضِ الْأَنْفُسِ الَّتِي تَحْيَا بِهَا النَّاسُ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الزُّمَرِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لِآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ 39 : 42 ) فَهَذِهِ الْآيَةُ نَصٌّ فِي كَوْنِ التَّوَفِّي أَعَمَّ مِنَ الْمَوْتِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مُرَادِفًا لَهُ ، فَقَدْ صَرَّحَتْ بِأَنَّ الْأَنْفُسَ الَّتِي تُتَوَفَّى فِي مَنَامِهَا غَيْرُ مَيِّتَةٍ .
فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ ) مَعْنَاهُ يَتَوَفَّى أَنْفُسَكُمْ فِي حَالَةِ نَوْمِكُمْ بِاللَّيْلِ ، وَمِثْلُهُ النَّوْمُ فِي النَّهَارِ ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ اللَّيْلِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْفِطْرَةِ وَالْغَالِبَ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَكُونَ النَّوْمُ فِيهِ ، فَلَا يُعْتَدُّ بِمَا يَقَعُ مِنْهُ فِي النَّهَارِ . أُطْلِقَ التَّوَفِّي فِي الْمَنَامِ عَلَى إِزَالَةِ الْإِحْسَاسِ وَالْمَنْعِ مِنْ تَصَرُّفِ الْأَنْفُسِ فِي الْأَبْدَانِ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ ، وَلَكِنَّ بَعْضَ فَلَاسِفَةِ الْغَرْبِ الْمُتَأَخِّرِينَ يَرَى أَنَّ لِلْإِنْسَانِ نَفْسَيْنِ ، تُفَارِقُهُ إِحْدَاهُمَا عِنْدَ النَّوْمِ ، وَتُفَارِقُهُ كِلْتَاهُمَا بِالْمَوْتِ ، فَإِذَا صَحَّ هَذَا يَكُونُ التَّوَفِّي حَقِيقَةً فِي الْمَنَامِ وَفِي الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَحْصُلُ بِقْبِضٍ غَيْرِ تَامٍّ لِأَحَدِ النَّفْسَيْنِ ، وَالثَّانِي بِقَبْضٍ تَامٍّ لِكِلْتَيْهِمَا ، وَهُوَ يُوَافِقُ ظَاهِرَ آيَةِ الزُّمَرِ .
ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60nindex.php?page=treesubj&link=28977وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ) الْجَرْحُ : يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْعَمَلِ وَالْكَسْبِ بِالْجَوَارِحِ وَهِيَ الْأَعْضَاءُ الْعَامِلَةُ ، وَبِمَعْنَى التَّأْثِيرِ الدَّامِي مِنَ السِّلَاحِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَالْبَرَاثِنِ وَالْأَظْفَارِ وَالْأَنْيَابِ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ وَالْوَحْشِ . قِيلَ : إِنَّ هَذَا الْأَخِيرَ هُوَ الْحَقِيقَةُ وَالْأَوَّلُ مَجَازٌ ، وَإِنَّ عَوَامِلَ الْإِنْسَانِ مَا سُمِّيَتْ جَوَارِحَ إِلَّا تَشْبِيهًا لَهَا بِجَوَارِحِ السِّبَاعِ ، وَإِنَّ هَذِهِ مَا سُمِّيَتْ جَوَارِحَ إِلَّا لِأَنَّهَا تَجْرَحُ مَا تَصِيدُهُ وَمَا تَفْتَرِسُهُ ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ أَنَّ الْجُرْحَ حَقِيقَةً فِي الْكَسْبِ ، وَأَنَّ جَوَارِحَ الصَّيْدِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَسْبِهَا لِنَفْسِهَا أَوْ لِمُعَلِّمِهَا الَّذِي يَصِيدُ بِهَا ، وَأَنَّ الْخَيْلَ وَالْأَنْعَامَ الْمُنْتِجَةَ تُسَمَّى جَوَارِحٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ نِتَاجَهَا كَسْبُهَا ، فَالْجُرْحُ كَالْكَسْبِ ، يُطْلَقُ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ مِنْهُ . نَقَلَ ذَلِكَ اللِّسَانُ عَنِ
الْأَزْهَرِيِّ . وَظَاهِرُ كَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ أَنَّهُ فِعْلُ الشَّرِّ ، وَبِذَلِكَ فَسَّرَ الْآيَةَ فِي الْكَشَّافِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَقَدِ اسْتُعْمِلَ الِاجْتِرَاحُ بِمَعْنَى فِعْلِ الشَّرِّ خَاصَّةً فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ
[ ص: 400 ] الْجَاثِيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينِ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) ( 45 : 21 ) - الْآيَةَ - وَلَمْ يُذْكَرِ الْجَرْحُ وَالِاجْتِرَاحُ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ . وَقَدْ يَكُونُ التَّخْصِيصُ بِعَمَلِ السَّيِّئَاتِ لِصِيغَةِ الِافْتِعَالِ كَمَا وَرَدَ كَثِيرًا فِي الِاكْتِسَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ) وَهُوَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ فِي ذَلِكَ ، فَكُلٌّ مِنَ الْكَسْبِ وَالِاكْتِسَابِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ .
nindex.php?page=treesubj&link=28977فَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ) يَعْلَمُ جَمِيعَ عَمَلِكُمْ وَكَسْبِكُمْ فِي وَقْتِ الْيَقَظَةِ الَّذِي يَكُونُ مُعْظَمُهُ فِي النَّهَارِ خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا ، قِيلَ : إِنَّ الْمَاضِيَ هُنَا بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ ، أَيْ : وَيَعْلَمُ مَا تَجْرَحُونَهُ فِي النَّهَارِ الَّذِي يَلِي اللَّيْلَ ، عَبَّرَ بِهِ لِتُحَقِّقِ وُقُوعِهِ ، وَقِيلَ : بَلْ هُوَ عَلَى أَصْلِهِ وَيُرَادُ بِهِ النَّهَارُ السَّابِقُ عَلَى اللَّيْلِ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ فِيهِ ، أَوِ الْمُرَادُ يَتَوَفَّاكُمْ فِي جِنْسِ اللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ فِي جِنْسِ النَّهَارِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60nindex.php?page=treesubj&link=28977ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ) أَيْ : ثُمَّ إِنَّهُ بَعْدَ تَوَفِّيكُمْ بِالنَّوْمِ يُثِيرُكُمْ وَيُرْسِلُكُمْ مِنْهُ فِي النَّهَارِ ، فَالْبَعْثُ - كَمَا قَالَ
الرَّاغِبُ - إِثَارَةُ الشَّيْءِ وَتَوْجِيهُهُ ، يُقَالُ بَعَثْتُ الْبَعِيرَ أَيْ أَثَرْتُهُ مِنْ بَرْكِهِ وَسِيرَتِهِ . فَإِطْلَاقُ الْبَعْثِ عَلَى الْإِيقَاظِ مِنَ النَّوْمِ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ ، وَمَنْ جَعَلَهُ مَجَازًا نَظَرَ إِلَى الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ ، فَإِنْ قِيلَ كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ : وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ بِالنَّهَارِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ فِيهِ ، فَمَا نُكْتَةُ هَذَا التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الْآيَةِ ؟ قُلْتُ : الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ أَنَّ تَأْخِيرَ ذِكْرِ الْبَعْثِ لِأَجْلِ أَنْ تَتَّصِلَ بِهِ عِلَّتُهُ الْمَقْصُودَةُ بِالذِّكْرِ فِي هَذَا السِّيَاقِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60nindex.php?page=treesubj&link=28977لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ) إِلَخْ أَنْ يُوقِظَكُمْ وَيُرْسِلَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ لِأَجْلِ أَنْ يُقْضَى وَيَنْفُذَ الْأَجَلُ الْمُسَمَّى فِي عِلْمِهِ تَعَالَى لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْكُمْ ، فَإِنَّ لِأَعْمَارِكُمْ آجَالًا مَقْدِرَةً مَكْتُوبَةً لَا بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا وَإِتْمَامِهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ) ثُمَّ إِلَيْهِ وَحْدَهُ يَكُونُ رُجُوعُكُمْ إِذَا انْتَهَتْ آجَالُكُمْ وَمُتُّمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60nindex.php?page=treesubj&link=28977ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) إِذْ يَبْعَثُكُمْ مِنْ مَرَاقِدِ الْمَوْتِ كَمَا كَانَ يَبْعَثُكُمْ مِنْ مَضَاجِعِ النَّوْمِ ؛ لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِتِلْكَ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا فَيُذَكِّرُكُمْ بِهَا ، وَيُحَاسِبُكُمْ عَلَيْهَا ، وَيَجْزِيكُمْ بِهَا ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْبَعْثِ مِنْ تَوَفِّي النَّوْمِ قَادِرٌ عَلَى الْبَعْثِ مِنْ تَوَفِّي الْمَوْتِ .
وَقَدْ خَالَفَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ الْجُمْهُورَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ ، فَجَعَلَهَا خِطَابًا لِلْكُفَّارِ خَاصَّةً ، إِذْ جَعَلَ الْجُرْحَ خَاصًّا بِعَمَلِ السُّوءِ ، وَجَعَلَ الْغَرَضَ مِنْ ذِكْرِ تَوَفِّيهِمْ فِي اللَّيْلِ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ مُنْسَدِحِينَ فِيهِ كَالْجِيَفِ ، وَمِنَ الْجُرْحِ بِالنَّهَارِ : عَمَلُ الْآثَامِ فِيهِ . وَجَعَلَ الْبَعْثَ عَلَى مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ ، وَ " فِي " لِلتَّعْلِيلِ أَوِ الشَّأْنِ كَحَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=919688دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ . وَقَالَ فِي بَيَانِ هَذَا : ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ مِنَ الْقُبُورِ فِي شَأْنِ ذَلِكَ الَّذِي قَطَعْتُمْ بِهِ أَعْمَارَكُمْ مِنَ النَّوْمِ بِاللَّيْلِ وَكَسْبِ الْآثَامِ بِالنَّهَارِ وَمِنْ أَجْلِهِ ، كَقَوْلِكَ :
[ ص: 401 ] فِيمَ دَعَوْتِنِي ؟ فَأَقُولُ : فِي أَمْرِ كَذَا . وَفَسَّرَ الْأَجَلَ الْمُسَمَّى بِمَا ضَرَبَهُ اللَّهُ لِبَعْثِ الْمَوْتَى وَجَزَائِهِمْ ، وَالْمَرْجِعَ بِالرُّجُوعِ إِلَى مَوْقِفِ الْحِسَابِ ، وَفِيهِ تَكَلُّفٌ لَا يَدْفَعُهُ إِلَّا نَصٌّ فِي نُزُولِ الْآيَةِ فِي الْكَفَّارِ وَحْدَهُمْ وَكَوْنِ الْجُرْحِ بِمَعْنَى فِعْلِ الْآثَامِ ، وَكِلَاهُمَا لَا يَثْبُتُ .
وَفِي ذِكْرِ الْأَجَلِ الْمُسَمَّى فِي الْآيَةِ وَالرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَجْلِ الْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ تَأْيِيدٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حِكْمَةِ تَأْخِيرِ مَا كَانَ مُشْرِكُو مَكَّةَ يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ مِنْ وَعِيدِ اللَّهِ لَهُمْ ، وَوَعِيدِهِ لِرَسُولِهِ بِالنَّصْرِ عَلَيْهِمْ وَبَيَانُ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَرَاءَ مَا أُنْذِرُوا مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا ، فَمَنْ لَمْ يُدْرِكْهُ الْأَوَّلُ لِمَوْتِهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ لَمْ يُفْلِتْ مِنَ الْآخَرِ .