[ ص: 10 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=90nindex.php?page=treesubj&link=28978_33954_28901وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=91فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=92الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=93فتولى عنهم وقال ياقوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين لما يئس الملأ من
قوم شعيب من عودته في ملتهم ، وعلموا أنه ثابت على مقارعتهم ، خافوا أن يكثر المهتدون به من قومهم ، فحذروهم ذلك بما حكاه الله تعالى عنهم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=90وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون . هذا عطف على
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=75قال الملأ الذين استكبروا وليس جوابا
لشعيب عليه السلام ، ولا داخلا في هذه المراجعة بينه وبينهم ؛ إذ لو كان كذلك لفصل ولم يعطف ، بل ذلك ما قالوه له ، والمناسب فيه وصفهم بالاستكبار ، فهو الذي جرأهم على تهديده ، وإنذاره الإخراج من قريتهم المشعر بأنهم هم أصحاب السلطان فيه ، وهذا ما قالوه لقومهم إغواء لهم بصدهم عن الإيمان له ، والأخذ بما جاء به ، والمناسب فيه وصفهم بالكفر ، فهو الحامل لهم عليه ، سواء كان سببه الاستكبار عن اتباعه أو غيره ، بل لو علم أولو الرأي من قومهم أن سبب صدهم عنه هو الاستكبار والعتو لما أطاعوهم ؛ ولذلك عللوا لهم صدهم عنه بما يوهمهم أنه هو المصلحة لهم ، إذ قالوا لهم بصيغة القسم : لئن اتبعتم
شعيبا إنكم في هذه الحالة لخاسرون ، وحذف متعلق الخسار ليعمم كل ما يصلح له ، أي : خاسرون لشرفكم ومجدكم بإيثار ملته على ملة آبائكم وأجدادكم ، ومناط عزكم وفخركم ، واعترافكم بأنهم كانوا كافرين ضالين وأنهم معذبون عند الله تعالى ، وخاسرون لثروتكم وربحكم من الناس بما حذقتموه من تطفيف الكيل والميزان ، وبخس الغرباء أشياءهم لابتزاز أموالهم ، وأي خسارة أكبر من خسارة الشرف والثروة ؟ فمعلوم أن اللام في قولهم : ( لئن ) موطئة للقسم ، وهي أقوى مؤكد للكلام ، والجملة الاسمية وتصديرها بـ " إن " وقرن خبرها بـ " اللام " وتوسيط ( إذا ) التي هي جواب وجزاء بين طرفيها ، كل ذلك من المؤكدات لمضمونها الخادعة لسامعيها ، وإن مثلها مما يروج بين أمثالهم في كل زمان ، ولا سيما زمن التفاخر بالآباء ، والتعصب للأقوام
[ ص: 11 ] والأوطان ، فإننا ابتلينا في دعوتنا إلى الإصلاح بمن كانوا يصدون الناس عنا ، وعن نصيحتنا لأهل ملتنا بأننا لم نولد في بلادهم ، ولا ننتمي إلى أحد من أجدادهم ، على أننا ننتمي بفضل الله تعالى إلى آل بيت نبيهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأن منهم من لا يعرف له نسب ، ومنهم من ليس من القبط ولا العرب ، وإننا نرى أشد الشعوب عصبية للوطن لا يجعلونها سببا للصد عن العلوم والفنون ، ولا الدين ومذاهبه ، وإنما التنافس بينهم في جعل كل واحد منهم وطنه أعز وأقوى وأغنى وأقنى ولو باقتباس العلم من الآخر ، نرى رجال الدين الكاثوليكي من الألمان والفرنسيس أعوانا على نصر الكثلكة ، ونشرها في بلادهم وغيرها ، كما نرى مثل هذا بين رجال البروتستانتية من الألمان والإنكليز ، كدأبهم وسيرتهم في العلم ، فعلماء كل شعب يتسابقون إلى اقتباس ما يظهر عند الآخر من اختراع أو كشف عن حقيقة علمية ، أو اهتداء لسنة كونية أو منفعة للخلق ، ويعزون كل أمر إلى صاحبه ، ويقولون : إن العلم لا وطن له ، وإنما يقع التغاير والتفرق بين البشر في مثل هذا في إبان ضعفهم ، وغلبة الجهل عليهم ، وفشو التحاسد وسائر الأخلاق الرديئة فيهم ، واعتبر ذلك في الأمة الإسلامية في إبان ارتقائها العلمي حتى القرن الخامس والسادس ، إذ كان مثل
nindex.php?page=showalam&ids=14847أبي حامد الغزالي يجيء
بغداد عاصمة العلم والملك الكبرى في الأرض فيكون رئيسا لأعظم مدرسة فيها بل في العالم ( وهي النظامية ) ولا يحول دون ذلك كونه من قرية
طوس في بلاد الفرس ، وفيما بعده إذ تغيرت الحال ، كما بيناه في مواضع من المنار ، ونحمد الله أن تلك النزعة الشيطانية تكاد تزول من
مصر بارتقاء العلم والعمران ، على كون النزعة الوطنية العصرية تزداد قوة وانتشارا .
[ ص: 10 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=90nindex.php?page=treesubj&link=28978_33954_28901وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=91فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=92الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=93فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ لَمَّا يَئِسَ الْمَلَأُ مِنْ
قَوْمِ شُعَيْبٍ مِنْ عَوْدَتِهِ فِي مِلَّتِهِمْ ، وَعَلِمُوا أَنَّهُ ثَابِتٌ عَلَى مُقَارَعَتِهِمْ ، خَافُوا أَنْ يَكْثُرَ الْمُهْتَدُونَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِمْ ، فَحَذَّرُوهُمْ ذَلِكَ بِمَا حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=90وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ . هَذَا عَطْفٌ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=75قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا وَلَيْسَ جَوَابًا
لِشُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَلَا دَاخِلًا فِي هَذِهِ الْمُرَاجَعَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ؛ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَفَصَلَ وَلَمْ يَعْطِفْ ، بَلْ ذَلِكَ مَا قَالُوهُ لَهُ ، وَالْمُنَاسِبُ فِيهِ وَصْفُهُمْ بِالِاسْتِكْبَارِ ، فَهُوَ الَّذِي جَرَّأَهُمْ عَلَى تَهْدِيدِهِ ، وَإِنْذَارِهِ الْإِخْرَاجَ مِنْ قَرْيَتِهِمُ الْمُشْعِرِ بِأَنَّهُمْ هُمْ أَصْحَابُ السُّلْطَانِ فِيهِ ، وَهَذَا مَا قَالُوهُ لِقَوْمِهِمْ إِغْوَاءً لَهُمْ بِصَدِّهِمْ عَنِ الْإِيمَانِ لَهُ ، وَالْأَخْذِ بِمَا جَاءَ بِهِ ، وَالْمُنَاسِبُ فِيهِ وَصْفُهُمْ بِالْكُفْرِ ، فَهُوَ الْحَامِلُ لَهُمْ عَلَيْهِ ، سَوَاءٌ كَانَ سَبَبُهُ الِاسْتِكْبَارَ عَنِ اتِّبَاعِهِ أَوْ غَيْرِهِ ، بَلْ لَوْ عَلِمَ أُولُو الرَّأْيِ مِنْ قَوْمِهِمْ أَنَّ سَبَبَ صَدِّهِمْ عَنْهُ هُوَ الِاسْتِكْبَارُ وَالْعُتُوُّ لَمَا أَطَاعُوهُمْ ؛ وَلِذَلِكَ عَلَّلُوا لَهُمْ صَدَّهُمْ عَنْهُ بِمَا يُوهِمُهُمْ أَنَّهُ هُوَ الْمَصْلَحَةُ لَهُمْ ، إِذْ قَالُوا لَهُمْ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ : لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ
شُعَيْبًا إِنَّكُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَخَاسِرُونَ ، وَحَذَفَ مُتَعَلِّقَ الْخَسَارِ لِيُعَمِّمَ كُلَّ مَا يَصْلُحُ لَهُ ، أَيْ : خَاسِرُونَ لِشَرَفِكُمْ وَمَجْدِكُمْ بِإِيثَارِ مِلَّتِهِ عَلَى مِلَّةِ آبَائِكُمْ وَأَجْدَادِكُمْ ، وَمَنَاطِ عِزِّكُمْ وَفَخْرِكُمْ ، وَاعْتِرَافِكُمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ضَالِّينَ وَأَنَّهُمْ مُعَذَّبُونَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَخَاسِرُونَ لِثَرْوَتِكُمْ وَرِبْحِكُمْ مِنَ النَّاسِ بِمَا حَذَقْتُمُوهُ مِنْ تَطْفِيفِ الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ ، وَبَخْسِ الْغُرَبَاءِ أَشْيَاءَهُمْ لِابْتِزَازِ أَمْوَالِهِمْ ، وَأَيُّ خَسَارَةٍ أَكْبَرُ مِنْ خَسَارَةِ الشَّرَفِ وَالثَّرْوَةِ ؟ فَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِمْ : ( لَئِنْ ) مُوطِئَةٌ لِلْقَسَمِ ، وَهِيَ أَقْوَى مُؤَكِّدٌ لِلْكَلَامِ ، وَالْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ وَتَصْدِيرُهَا بِـ " إِنَّ " وَقَرْنُ خَبَرِهَا بِـ " اللَّامِ " وَتَوْسِيطُ ( إِذًا ) الَّتِي هِيَ جَوَابٌ وَجَزَاءٌ بَيْنَ طَرَفَيْهَا ، كُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْمُؤَكِّدَاتِ لِمَضْمُونِهَا الْخَادِعَةِ لِسَامِعِيهَا ، وَإِنَّ مِثْلَهَا مِمَّا يَرُوجُ بَيْنَ أَمْثَالِهِمْ فِي كُلِّ زَمَانٍ ، وَلَا سِيَّمَا زَمَنُ التَّفَاخُرِ بِالْآبَاءِ ، وَالتَّعَصُّبِ لِلْأَقْوَامِ
[ ص: 11 ] وَالْأَوْطَانِ ، فَإِنَّنَا ابْتُلِينَا فِي دَعْوَتِنَا إِلَى الْإِصْلَاحِ بِمَنْ كَانُوا يَصُدُّونَ النَّاسَ عَنَّا ، وَعَنْ نَصِيحَتِنَا لِأَهْلِ مِلَّتِنَا بِأَنَّنَا لَمْ نُوَلَدْ فِي بِلَادِهِمْ ، وَلَا نَنْتَمِي إِلَى أَحَدٍ مِنْ أَجْدَادِهِمْ ، عَلَى أَنَّنَا نَنْتَمِي بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى آلِ بَيْتِ نَبِيِّهِمْ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا يُعْرَفُ لَهُ نَسَبٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَيْسَ مِنَ الْقِبْطِ وَلَا الْعَرَبِ ، وَإِنَّنَا نَرَى أَشَدَّ الشُّعُوبِ عَصَبِيَّةً لِلْوَطَنِ لَا يَجْعَلُونَهَا سَبَبًا لِلصَّدِّ عَنِ الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ ، وَلَا الدِّينِ وَمَذَاهِبِهِ ، وَإِنَّمَا التَّنَافُسُ بَيْنَهُمْ فِي جَعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَطَنَهُ أَعَزَّ وَأَقْوَى وَأَغْنَى وَأَقْنَى وَلَوْ بِاقْتِبَاسِ الْعِلْمِ مِنَ الْآخَرِ ، نَرَى رِجَالَ الدِّينِ الْكَاثُولِيكِيِّ مِنَ الْأَلْمَانِ وَالْفَرَنْسِيسِ أَعْوَانًا عَلَى نَصْرِ الْكَثْلَكَةِ ، وَنَشْرِهَا فِي بِلَادِهِمْ وَغَيْرِهَا ، كَمَا نَرَى مِثْلَ هَذَا بَيْنَ رِجَالِ الْبُرُوتَسْتَانْتِيَّةِ مِنَ الْأَلْمَانِ وَالْإِنْكِلِيزِ ، كَدَأْبِهِمْ وَسِيرَتِهِمْ فِي الْعِلْمِ ، فَعُلَمَاءُ كُلِّ شَعْبٍ يَتَسَابَقُونَ إِلَى اقْتِبَاسِ مَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْآخَرِ مِنَ اخْتِرَاعٍ أَوْ كَشْفٍ عَنْ حَقِيقَةٍ عِلْمِيَّةٍ ، أَوِ اهْتِدَاءٍ لِسُنَّةٍ كَوْنِيَّةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ لِلْخَلْقِ ، وَيَعْزُونَ كُلَّ أَمْرٍ إِلَى صَاحِبِهِ ، وَيَقُولُونَ : إِنَّ الْعِلْمَ لَا وَطَنَ لَهُ ، وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّغَايُرُ وَالتَّفَرُّقُ بَيْنَ الْبَشَرِ فِي مِثْلِ هَذَا فِي إِبَّانِ ضَعْفِهِمْ ، وَغَلَبَةِ الْجَهْلِ عَلَيْهِمْ ، وَفُشُوِّ التَّحَاسُدِ وَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ الرَّدِيئَةِ فِيهِمْ ، وَاعْتَبَرَ ذَلِكَ فِي الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي إِبَّانِ ارْتِقَائِهَا الْعِلْمِيِّ حَتَّى الْقَرْنِ الْخَامِسِ وَالسَّادِسِ ، إِذْ كَانَ مِثْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=14847أَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ يَجِيءُ
بَغْدَادَ عَاصِمَةِ الْعِلْمِ وَالْمُلْكِ الْكُبْرَى فِي الْأَرْضِ فَيَكُونُ رَئِيسًا لِأَعْظَمِ مَدْرَسَةٍ فِيهَا بَلْ فِي الْعَالَمِ ( وَهِيَ النِّظَامِيَّةُ ) وَلَا يَحُولُ دُونَ ذَلِكَ كَوْنُهُ مِنْ قَرْيَةِ
طُوسَ فِي بِلَادِ الْفُرْسِ ، وَفِيمَا بَعْدَهُ إِذْ تَغَيَّرَتِ الْحَالُ ، كَمَا بَيَّنَاهُ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْمَنَارِ ، وَنَحْمَدُ اللَّهَ أَنَّ تِلْكَ النَّزْعَةَ الشَّيْطَانِيَّةَ تَكَادُ تَزُولُ مِنْ
مِصْرَ بِارْتِقَاءِ الْعِلْمِ وَالْعُمْرَانِ ، عَلَى كَوْنِ النَّزْعَةِ الْوَطَنِيَّةِ الْعَصْرِيَّةِ تَزْدَادُ قُوَّةً وَانْتِشَارًا .